على مدار الساعة

"برنامج تعهداتي".. قصة الضياع.. من الحرس القديم إلى شباب العشرية..

30 نوفمبر, 2023 - 15:51
د. محمد الأمين ولد شريف أحمد

برنامج تعهداتي برنامج طموح، ويسعى إلى تحقيق الرفاه للشعب الموريتاني وتعميم العدالة، والمتتبع لفقراته يدرك أن هذا البرنامج ينطلق من مبادئ وأساسيات تنسجم مع ديننا وقيمنا، ويسعى إلى تحقيق طموحات شعبنا، برنامج كامل المبنى والمسعى يغطي فترة زمنية محدد كفيلة بتنفيذه، مما يجعله واقعيا قابلا للتطبيق، وهذا ما يفسر التفاف أغلبية الناخبين حوله والتصويت لصالحه بكثافة كبيرة منحت فخامة رئيس الجمهورية المرور في الشوط الأول.

 

بالرجوع إلى بدايات الشروع في تنفيذ برنامج تعهداتي، يلاحظ أن غالبية الفريق الذي انتدب لهذه المهمة السامية، كانوا من التكنوقراط المغمورين، بالإضافة إلى النزر القليل من الدائرة الخاصة، وأن فريق التكنوقراط تنقصهم التجربة في تسيير الشأن العام، ومعرفة خبايا الإدارة وطبيعة الموظف العمومي، واصطدموا بالواقع العصي أمام النظريات الحديثة لعلم الإدارة، ويمكن القول بأن الفريق جميعا عجز عن تجسيد برنامج تعهداتي على أرض الواقع. ويلاحظ المهتم بالشأن العام أن فخامة رئيس الجمهورية، وبعد إدراكه بأن هذا الفريق غير قادر على تحقيق أهداف برنامج تعهداتي، اعتمد استراتجية جديدة تقوم على الاحتفاظ بعناصر الدائرة الخاصة بحقائبها الوزارية، والدفع بأطر من الحرس القديم، إلى مناصب قيادية في الحكومة وعلى رأس مؤسسات عمومية مهمة، بحجة التجربة ومعرفة الإدارة والقدرة على اكتساب الشعبية، لكن وبعد مرور أربع سنوات من المأمورية، اتضح أن الثقة في هذا الرعيل من الأطر لم تكن في محلها، واقتصر أداؤهم على تحصين أنفسهم من أي تغيير قادم من خلال تعيين الأطر المحسوبة عليهم في أهم مفاصل الإدارة والاستحواذ على أكبر قدر من الميزانية العامة.. ونظرا لجمود المشاريع المجدولة على قائمة الإنجاز، وارتفاع كتلة الرواتب بشكل كبير بسبب الأعداد الضخمة من الأشخاص التي تم التعاقد معها، وتنامي ظاهرة فساد التسيير المالي في بعض القطاعات، انزعج رئيس الجمهورية من الوضع القائم وصرح في مناسبات عديدة بأن حجم الإنجاز لا يتناسب مع الإمكانيات المرصودة والصلاحيات الممنوحة، مما جعله يستعين بفئة شباب العشرية السابقة والتي كان أداؤها  في الموسم الانتخابي الأخير مقنعا، لتبدأ مجموعة أطر العشرية هذه في التموضع من خلال الدفع بأطر مضموني الولاء على حساب الكفاءة ونظافة اليد من المال العام..

 

نجم عن استراتجية إسناد المهام الأساسية للدولة طيلة الأربع سنوات الأخيرة عن وجود فريقين متصارعين بشكل قوي على أهم مناصب القطاع العام، يصل أحيانا إلى درجة التلاسن في جلسات مجلس الوزراء وأمام فخامة رئيس الجمهورية.

 

بشكل عام وانطلاقا من تسلسل الأحداث، يمكن القول إن الفرق التي أشرفت على تنفيذ برنامج تعهداتي من بداية المأمورية، إلى حد الساعة ما زالت عاجزة عن الوصول لأهداف برنامج تعهداتي السامية، وما زالت الأمور تدار بالعقلية القديمة، عقلية إسناد المهام والمشاريع وأحيانا الحقائب الوزارية إلى المنضوين تحت خيمة الحلف الواحد، وتبقى سمة الصراع بين الأحلاف هي الظاهرة المسيطرة على المشهد السياسي الآن، وهي السبب وراء ضياع برنامج تعهداتي إلى حد الساعة..

 

وأمام هذا الواقع الضبابي، وانطلاقا من القناعة الراسخة بأن نجاح برنامج تعهداتي كفيل ببناء دولة الرخاء والعدل، فإننا نهيب برئيس الجمهورية أن يتلافى فيما بقي من المأمورية برنامجه الانتخابي الطموح القابل للتنفيذ، من خلال كسر فلسفة التعيين القائمة على تدوير أطر الحرس القديم وشباب العشرية، وخلق فريق ثالث من الأطر المتميزين، تاريخهم يشهد عليهم بالكفاءة والاستقامة في التسيير، لا يخشون سطوة نافذ ولا صراخ مطبل، قادرين على وضع برنامج تعهداتي على السكة والوصول إلى أهدافه الطموحة.