على مدار الساعة

زيارة السيد الرئيس لولاية العصابة.. هيمنة حروف التسويف

14 مايو, 2024 - 13:44
الدكتور / الحسن أحمد طالب - أستاذ جامعي

زيارة السيد الرئيس لولاية العصابة.. هيمنة حروف التسويف وعودة أيام الإطعام من الجوع والأمن من الخوف ومخالفة التعاميم الصادرة عن الحكومة.

      

أشرت في مقال سابق بعنوان في (سير الوزراء) إلى أن الكثير منا في موريتانيا يبدي رغبة في التعرف على حقيقة من يشغلون المناصب العليا في الدولة ــ مستوياتهم التعليمية وسيًرهم الذاتية وما تنطوي عليه تلك السير من خبرات ومعارف ومهارات وتجارب ــ وهل يمتلكون حقا تلك القدرات التي لا بد وأن يتحلى بها رجال الدولة في عصر يلعب فيه الرأي العام دورا أساسيا في تأكيد شرعية نظام الحكم، سواء كان ديمقراطيا أو غير ديمقراطي، ويخضع  كل من توكل إليه تلك المهام للمتابعة المستمرة من جانب الإعلام، ويخضع كذلك للحكم على نشاطاته عبر قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة. وأكدت في هذا السياق أن الذي يدعو لطرح هذه القضية بالذات هو ملاحظة كيفية مخاطبة كبار المسؤولين في الدول الأخرى للرأي العام في بلادهم، حيث نشاهد على شاشات التلفزيون مؤتمرات صحفية وتصريحات لوزراء ومسؤولين ــ ليسوا من بلادنا طبعا ــ ويتملكنا العجب عندما نقارنهم بكبار المسؤولين عندنا، فالمسؤولون الأجانب أيا كان اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يطرحونه من قضايا، يملكون قدرة قل نظيرها على طرح مواقفهم وصياغة حججهم على نحو مقنع للغاية، وكلهم يتحدثون لغة بلادهم بأسلوب بليغ يثير الإعجاب ويبعث على الاحترام.

 

بينما لا نكاد نجد مسؤولا واحدا عندنا يجيد الحديث باللغة العربية، أو يعرض لما يفعل في حكومته أو وزارته على نحو يحترم عقل من يشاهده أو يسمعه، لكونهم يدركون أن من يناقشهم من الإعلاميين يتقبل ــ مبدئيا ــ ما يقولون بل ويصدقهم، ولا يقيمون للمشاهدين أو المستمعين وزنا يذكر، فتجدهم  يكررون في خطاباتهم المكتوبة عبارات ممجوجة تثير الشفقة وتخالهم أمضوا عصورا طويلة وأفنوا أعمارهم في التمرن على حفظها لسلاسة نطقها وحدها فقط من خطاباتهم تلك، وقد ورثَها السلف للخلف حتى ضاق الناس بسماعها وأصبحت حديثا ساخرا للعامة والخاصة، وقد أصدر الوزير الأول الحالي تعميمه رقم: 001275 في يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2020 والذي يقضي بحذف بعض تلك العبارات من الخطابات الرسمية للمسؤولين مثل "تنفيذا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية" و "بتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية" وكذا "بتعليمات من الوزير الاول المهندس أو الدكتور" وفق ما جاء في التعميم، إلا أن هذا التعميم رغم نشره لم يتم تطبيقه وتم تجاهله حتى في هذه الزيارة الأخيرة لرئيس الدولة لولاية العصابة.

 

كانت الصورة واضحة أثناء زيارة السيد الرئيس حيث استقبله سكان الولاية بما يليق به من حفاوة وتكريم رغم شدة الحرارة ورغم صعوبة الظرف وقد بذلت السلطات الإدارية في كل مقاطعات الولاية والمنتخبون كل ما بوسعهم لإنجاح هذه الزيارة وقد تحقق ذلك وبرهنت عليه كثرة الحضور وتنوعه من جميع المقاطعات والبلديات.

 

اللافت، أن أغلب من تعاقب على المنصة من وزراء وساسة لم تكن عروضهم مقنعة لسكان صوتوا للرئيس في المأمورية الأولى وانتظروا كثيرا أرقاما وبيانات تجسد الواقع المعاش والملموس بعيدا عن حروف التسويف مثل السين وسوف وغيرهما..

 

أظهر الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه تلاعبا بالصوت عبر تضخيمه وبث مؤثرات صوتية غيرت طبقات الصوت وأزعجت السامعين وأظهر الفيلم جليا عدم الجدية في إبراز المحتوى الذي يتطلع إليه الناس، كان الأجدر بمن قدمه أن يدرك أن الصورة أبلغ وأقوى من الكلمة.

 

تقدم للمنصة كل من عمدة كيفة ورئيس جهة العصابة ووزير المياه والطاقة ومفوضة الأمن الغذائي ووزير الزراعة والمندوب العام لتآزر ووزيرة الصحة ووزير الداخلية وبدلا من إطلاع السكان أمام السيد الرئيس على إنجازات مهمة تجسدت على أرض الواقع تم التركيز على العبارات التي أشرنا اليها سابقا والتي ورد في تعميم الوزير الأول المشار إليه منع النطق بها لعدم جدوائيتها في الوقت الراهن، فمثلا:

- الإلحاح على السادة العمد بالتصفيق للسيد الرئيس نظير زيادة رواتبهم، دون ذكر منجز واحد قدمه السادة العمد للوطن والمواطن.

- العودة بنا إلى فترة الإطعام من الجوع والأمن من الخوف في الوقت الذي لا تزال الخدمات الصحية ضعيفة جدا والأدوية مزور أغلبها ومنتهية الصلاحية بشهادة الجميع حيث نشاهد عمليات الحرق المتكررة لها من طرف السلطات المختصة في حال تم اكتشافها،

- سيطرة الأمثال الشعبية على المشهد كالإشارة إلى سكان آدرار وارتباطهم بموسم الكيطنة مع الجزم بعودة من جربها، في الوقت الذي يحدث في مقاطعة باركيول بالتحديد منح حصص من المواد الغذائية لبعض المواطنين ويتفاجأ أصحابها عند استلامها بكون أغلبها ناقص لبعض المواد المسجلة لهم كمادة (التمر) فهل يكون السبب عدم معرفة من كتب مكونات الحصة بعمليات الجرد في المخازن، أم أن الكميات موجودة فعلا ويتم منعها عمن منحت لهم عن قصد؟

- الإشارة إلى أهمية المركز الجهوي لنقل الدم والذي يدخل ضمن التدشينات التي أشرف عليها السيد الرئيس في هذه الزيارة، فهل ندرك أن هذا الصنف من المنشآت يتطلب نوعا خاصا من الإشراف والصيانة والنظافة لا زلنا في موريتانيا نفتقر إليه بسبب ضعف الهيئات الرقابية والتي أوصلتنا إلى هذه الحال: بعض الأدوية مزورة + بعض الأدوية منتهية الصلاحية + بعض الصيدليات لا تجد بها تبريد + ظروف تخزين سيئة + نقص في الكادر الطبي في المستشفيات + عدم عناية بالمرضى..

- الإشارة إلى إدخال الآلات في الزراعات المطرية والمروية في ولاية العصابة والتي لا يتناسب حجم إنتاجها من هذه الزراعات مع إدخال المكننة التي علينا توجيهها لمنطقة الضفة والأماكن المشابهة حيث المحصول الوفير إن لم يكن الغرض أصلا استجلاب آلات بأسعار مرتفعة الأمر الذي ستخسر من خلاله ميزانية الدولة بدون مقابل.

- الإشارة إلى توسعة الشبكة في مدينة كيفة وبعض المناطق والتي ستكون حلا غير دائم لمشكلة العطش في المدينة، مع الإشارة إلى دراسة نقل المياه من النهر كحل دائم ولكنه يتطلب فترة زمنية لم تحدد.

- لم يتم التطرق لمشكلة مياه آفطوط الشرقي حيث يعاني السكان من الانقطاعات المتكررة وتلويثها تارات أخرى مما تسبب في الخوف الشديد للسكان من هذه الأنابيب الناقلة للمياه القادمة من سد فم لكليت، كان الأجدر أن يمنح السكان أمام الرئيس تطمينات حول الموضوع يتحمل مسؤوليتها الوزير في حال تبين بعد ذلك عكسها.

- تكرار الاستشهادات بالآيات القرآنية عرض البعض للأخطاء، في حين كان الأولى بهم أن يركزوا على المنجزات وعرضها للناس أمام الرئيس.

 

سيدي الرئيس،

لم أجد في خطاب السادة الوزراء ما يعطي أملا يتمسك به المواطنون لعبور مرحلة الانتخابات المقبلة بسبب هيمنة حروف التسويف وعودة أيام الإطعام من الجوع والأمن من الخوف ومخالفة التعاميم الصادرة عن حكومتهم.