ماذا لو لم يكن الشيخ الرضا يشتري لنفسه؟!
سؤال بديهي ومنطقي، يمكن أن يرد إلى ذهني وذهنك وذهن أي محاول لتفسير هذه الحالة الفريدة من نوعها التي غزت السوق الموريتانية في السنتين الأخيرتين، فشغلت الرأي العام، وخلقت مادة دسمة للنقاش العام والخاص.
إن السؤال المذكور أعلاه ينطلق من عدة فرضيات:
أولا: الرشد الاقتصادي، ذلك أن الإنسان بطبيعته راشد اقتصاديا، ولا "يسرف" بطريقة الشيخ الرضا إذ يشتري منزلا ـ على أجل سنة أو اثنتين ـ بـ50 مليونا ويبيعه بعد ساعة بـ5 ملايين!
التبرير الذائع لهذا "الإسراف" هو حاجة الشيخ وجماعته للسيولة! على كل حال يبقى هذا القول تبريرا، ولكنه غير كاف للتفسير، خصوصا للعقول المتشككة، فهناك العديد من البدائل لتوفير السيولة غير هذه الطريقة "المغالية جدا".
ثانيا: الإستراتيجية وبعد النظر، فالإنسان بطبيعته ينظر في العواقب؛ عواقب تصرفاته، ولا بد أن أدنى الناس ذكاء يدرك أن الاستمرار في خسارة بتلك المعدلات سيؤدي إلى نتائج كارثية، وأنه سيحين وقت السداد قريبا، فمن أين ستؤمن تلك المبالغ الضخمة؟، فالشيخ الكريم ووكلاؤه يشترون فوق الثمن العادي بكثير، ولا يحصلون إلا على ثمن زهيد بكثير، والذائع أن تلك الأموال "تُصْرَف" في إكراميات الشيخ وتدبير شؤون رعيته. فمن أين سيأتي السداد؟ الجواب البديهي لهذا السؤال لن يكون ـ بالطبع ـ من أموال الشيخ التي صرفت، خصوصا أننا لا نعلم له استثمارا معلوما يشار إليه بالبنان غير عمليات البيع والشراء محل التساؤل، والتي تؤدي إلى خسارة مؤكدة!
إن هذا الإسراف المبالغ فيه لا يبدو مقنعا؛ فكلنا يتذكر الولي الصالح اعل الشيخ ولد امَّمَّ ـ رحمة الله عليه ـ والذي مكثت دائرته في مدينة أطار حوالي أربعين سنة تقري الضيف، وتسد خُلَّة الجائع، وترقَّع حاجات السائل، ولم تبلغ ديون اعل الشيخ جزء من الألف مما بلغته ديون هذا الشيخ الأربعيني، مع أن علاقات الأول أعقد وأكثر تفصيلا من الأخير ـ ظاهريا على الأقل ـ فالأول قبلة لكل الموريتانيين على مدار عدة عقود، بينما الأخير لا يزال صيته ينتشر ولمَّا يبلغ شأو سابقه بعد.
هنا، يثور سؤال آخر: من أين ستسدد ديون الشيخ إذا كانت من غير أمواله؟ وبصياغة أخرى: من له مصلحة في تسديد ديون الشيخ الرضا التي تقدر بعشرات المليارات من الأوقية، سواء كانت مصالح اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية؟!
سنفترض افتراضا آخر ـ وهو منطقي ـ للإجابة عن هذا السؤال: سيسدد عن الشيخ من له مصلحة في عملياته التي كانت تجري!
وهذه الإجابة تقتضي أن هناك مستفيدا من عمليات الشيخ تلك غيره هو، وفعلا يمكن إدراك استفادة الشيخ من هذه العمليات من خلال السيولة التي يحصل عليها ببيعه للعقار أو البضاعة بسعر زهيد مقارنة بسعره الحقيقي، ولكن من هم هؤلاء المستفيدون؟ وكيف يستفيدون من هذه العملية الغريبة؟
لا نستطيع تحديد من هم المستفيدين بالضبط، ولكن يمكن معرفة كيفية استفادتهم، ولكن بعد صياغة فرضية جديدة.
لنفترض أن هناك مجموعة "نافذة في السلطة" تريد الحصول على عقارات في نواكشوط ونواذيبو بأسعار زهيدة وتعلم مسبقا بعمليات شراء وبيع الشيخ الرضا تلك، والتي ظلت على مدار 5 سنوات محدودة جدا، فمن كان يعرف بهذه العمليات قبل ثلاث أو أربع سنوات؟!
ستتصل هذه المجموعة بالشيخ، وتطلب منه أن يوسع أعماله، ويشتري بأسعاره تلك دون حساب، وهي ستتكفل بسداد كل ديونه مقابل أن يبيعها ما ترغب به من تلك المشتريات.
وهكذا توسعت أعمال الشيخ خلال السنوات الأخيرة بعد أن كانت لا تكاد تذكر وكان نطاقها محدودا جدا، لا رغبة منه في الإسراف، وإنما تلبية لمطامح تلك المجموعة الساعية إلى امتلاك العقار على نطاق كبير في كبريات المدن الموريتانية.
وقد يتساءل البعض عند هذه النقطة تساؤلا مشروعا: كيف ننفي عن الشيخ صفة الإسراف وقلة الرشد الاقتصادي ونلصقها بتلك المجموعة المفترضة؟!
وللإجابة على تساؤلهم سنفترض أن تلك المجموعة النافذة قررت منذ أكثر من سنتين الاستفادة من قرار مبرمج لتحويل قاعدة الأوقية الموريتانية مما يتطلب تبديل الأوراق النقدية، ومن المعلوم أن كتلة الأوراق النقدية يصيبها الهدر، فمنذ تبديل الأوراق النقدية أيام المرحلة الانتقالية ضاع العديد من الأوراق النقدية: بعضها تمزق، والبعض الآخر ضاع على أصحابه، وهذا الهدر لا بد أن يعوض، فمن مصلحة الاقتصاد تعويضه، وسيتم ذلك مع نهاية تداول الأوراق النقدية الحالية.
وإن تساءل متسائل: ما علاقة الهدر في الكتلة النقدية بموضوعنا؟ سوف نجيب بأن دائني الشيخ الرضا سوف تسدد لهم أموالهم من هذا الهدر الذي لا يدعي ملكيته أحد، وتستخدمه تلك الجهات النافذة ـ وفقا لخطتها المفترضة ـ للحصول على العقارات بأقل تكلفة، فهي لا تتكلف فيه إلا السعر الأخفض الذي تسدده للشيخ ووكلائه عندما يقومون ببيعه لهم بذلك السعر.
وهكذا، فإن نهاية تداول العملة الحالية سيحدد معه حجم الهدر في العملة المنتهي التداول بها ـ وإن كانت أهم ورقتين نقديتي منه (5000) و (2000) قد عرف الهدر فيها ـ وبالتالي سيسدد لدائني الشيخ الرضا من تلك الأموال التي لا يملكها أحد، وستنتعش الحالة الاقتصادية مع نهاية 2018 تمهيدا ـ ربما ـ لوضع سياسي جديد.
وعموما، فإن هذا التفسير يبدو منطقيا في مقابل غياب التفسيرات المنطقية لهذه الظاهرة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم تذمر أكبر الموجودين في سوق العقارات من عمليات الشيخ، وفي مقدمتهم رجل الأعمال الصحراوي الذي كان من المفترض أن يستاء أو يتضرر من عمليات الشيخ، ومن ناحية ثالثة يفسر عدم تصرف أجهزة الدولة ضد هذا النشاط الذي يبدو مفهوما بالنسبة لها مع كونه لا يمثل سوى "ذيل الضب" بالنسبة لمواطن مثلي لا يملك سوى التحليل والافتراض على أساس المعلومات المتاحة لديه.
والله تعالى أعلم!