تداولت بعض وسائط التواصل الاجتماعي مؤخرًا معلومات تتناول قضية حصر مهام بعض الكفاءات الوطنية من أساتذة التعليم العالي في التدريس والبحث بعد سن 65، واصفةً الأمر بأنه "قانوني" في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى خبراتهم الوظيفية والإدارية.
وبينما يبدو تناول هذا الموضوع في ظاهره دعوة للإنصاف، إلا أن توقيته والأشخاص المصرح بشموله لهم يطرحان أكثر من علامة استفهام حول الأهداف الحقيقية من هذا الطرح، خصوصًا أن القضية ليست بالجديدة وتثار بشكلٍ روتيني داخل الأوساط الأكاديمية.
وكان الجهد المبذول في التركيز على موضوع حصر مهام الشخصيات الأكاديمية، في وسائط معينة بالفعل كبيرا واستثنائيا.
والغريب أكثر أن نصف هذا الجهد لم يُبذل في الأعوام الماضية، مع أن المراسلات المتعلقة بالموضوع تُرسل سنويًا بين القطاع المخول والأطراف المعنية؛ فلماذا انبثق الاهتمام فجأة هذا العام..؟ ولماذا تم إخراج الموضوع من سياقه الإداري الطبيعي ليُعرض كقضية يراد لها أن تكون قضية رأي عام..؟
من نافل القول أن مصير التقاعد، يبقى حتميا في نهاية أي مشوار وظيفي، وسيأتي يوما ما، ومن المعروف أن مهمة الصحافة الأولى هي نقل الحقيقة، لكنها في هذا السياق لم تُظهر اهتمامًا حقيقيًا بإيضاح الجوانب القانونية أو التشريعية المتعلقة بالمادة: 39 من المرسوم رقم: 2022 - 137؛ فالمادة التي تشكل جوهر الجدل، وتطرح بالفعل إشكالات قانونية تحتاج إلى معالجة، لكنها في ذات الوقت تستند إلى تشريعات منظمة للعمل الوظيفي في الدولة.
إن المادة تتيح للأساتذة الاستمرار حتى سن 68، لكنها تحد من ممارسة المهام الإدارية بعد سن 65، وهو إجراء يمكن قراءته في سياق توازن بين تمكين الكفاءات وضمان تجديد الدماء في المناصب الإدارية.
لكن مع ذلك؛ فإن التشريعات الوطنية تؤكد على العدالة والمساواة، وتنظم الوظائف العامة استنادًا إلى قوانين واضحة مثل القانون رقم: 93 - 09، وعلى الرغم من أن المادة: 39 تثير تساؤلات، إلا أنها تندرج ضمن القوانين التي يمكن مناقشتها وتطويرها ضمن الإطار المؤسسي.
ومع ذلك، فإن وصف الإجراء بـ"القانوني" يتجاهل أن النص الذي يفرض قيودا على المهام الإدارية، يبقى محل نقاش، لأنه يصادم مبدأ المساواة، ويناقض نصوصا أقوى منه في الدرجة القانونية.
يبقى التساؤل الكبير: ما الهدف الحقيقي وراء هذا التصعيد الإعلامي..؟ وهل تسعى بعض الوسائط إلى خدمة أغراض معينة تهدف إلى إزاحة بعض الكفاءات الوطنية من المشهد..؟ أم أنها تحاول تأليب الرأي العام لصالح توجهات غير معلنة..؟ وإذا كانت الرسائل المذكورة ترسل للمعنيين بشكل شخصي، فكيف وصلت هذه الوسائط إلى تأكيد وصولها لمن ذكرتهم بالاسم..؟
من الواضح أن هذا المقال ليس مجرد دعوة للالتزام بالنصوص، بل يحمل في طياته أبعادًا تتجاوز الظاهر، خاصة مع هذا التركيز المفرط في توقيت حساس، يحتاج البلد فيه للخبرات أكثر من احتياجه للمقالات.
وبدلًا من إثارة الجدل حول قضية لها أبعاد إدارية وقانونية يمكن معالجتها في إطار المؤسسات المعنية - وأظن أن معالجتها ستتم بالفعل عبر النصوص الدستورية - كان حريا بباذلي هذا الجهد التركيز على دور بنّاء يعزز الثقة في المؤسسات الوطنية، دون أهداف شخصية أو أجندات عابرة للحدود.