على مدار الساعة

هل الديمقراطية الهجينة هي الحل...؟

4 مايو, 2018 - 13:24
الشيخ ولد المامي

القصة: استفسر أحد الرؤساء في بلد ما وزير داخليته حول خبر وصله عن شراكة بين الوزارة مع المهربين مستغربا الأمر، فأجاب الوزير سيادة الرئيس ما وصلك من أخبار صحيح، فالوزارة ارتأت أن أحسن طريقة لمحاربة التهريب هي الشراكة لتضمن أن كل ما يجري سيكون بعلمها وتحت أعينها وقد حققت نجاحا باهرا في ظل استخدام تلك الطريقة.

 

المقال: في ظل حملات الانتساب الحالية وما يشوبها ويثار عنها من شراء للذمم واستخدام للمال السياسي والنفوذ العسكري والقبلي والجهوي أصبح من الواضح لكل مراقب للمشهد الموريتاني أن الحديث عن ديمقراطية في موريتانيا هو مجرد ضرب من أضرب العِرافة، وأن الحالة الموريتانية أصبحت مستعصية حيث إن البلد المتشدق بالديمقراطية حل في المركز الثالث مغاربيا و121 عالميا بتنقيط 3.82، وصنفتها وحدة "دي إيكونوميست إنتليجنس"، التابعة لمجموعة "ذي إيكونوميست" البريطانية، في تقريرها الأخير حول مؤشر الديمقراطية لعام 2017، الذي شمل 167 بلدا من أنحاء العالم في خانة الأنظمة الاستبدادية..

 

ومن وجهة نظر إلحادية الانتماء السياسي تقف على نفس المسافة من الجميع، أرى أن وضعيتنا لا تخلو من احتمالات ثلاث، إما الديمقراطية الصحيحة، وهذه لن تتحقق في بلد ما زال غالبية شعبه يسرحون داخل سراديب الأمية الحضارية المظلمة ولا يفرقون بين دور المدني ودور العسكري، وإما ديمقراطية ناقصة فرغت من مضمونها – جربناها سلفا - وهي في الواقع عبارة عن تغليف للحكم العسكري في حلة أخرى، وإما أن نفكر في أسلوب جديد يضمن لسفينتنا الاستمرار لتعبر بنا إلى بر الأمان وذلك عن طريق ازدحام أفكار النخب وأصحاب الرأي.

 

إن إيجاد أسلوب حكامي مبتكر، أو حتى مهجّن بين عدة أساليب حكامية عتيقة، يشرك الجميع أصبح ضرورة ملحة في بلادنا أكثر من أي وقت مضى، فتحالف المال والسلطة في بلد غالبية أهله مغيبون، قد حول الديمقراطية إلى حكم شمولي متوحش، ينعم فيه أباطرة المال والسلطة بكل الميزات، بينما يزداد الشعب عمالا كان أو فلاحين فقرا على فقرهم وقهرا على قهرهم وبطالة على بطالتهم ، وتتشابك فيه خيوط السلطات - التي يفترض أنها مستقلة عن بعضها البعض - في يد القائمين على هرم السلطة، فلا سلطة القضاء بملجأ لصاحب مظلمة، ولا هي سيف على من يماس الحيف، ولا البرلماني فيها بمراع مصالح دائرته، ولا عسكري يكتفي بدوره الدستوري بعيدا عن السياسة، فتراجع دور الدولة، وازداد نفوذ القبيلة وقويت شوكتها حينما أصبحت ملجأ أبنائها الوحيد ومن يدافع عنهم، وأصبحت الدولة مجرد وسيلة في يد من يمتلك النفوذ المادي أو القبلي، وأصبحت مقومات الديمقراطية من أحزاب ونقابات ووسائل إعلام مجردة من معناها، إذ هي وسائل في يد من يملك المال أو السلاح ، فعلى صوت المظلوم، وضج البلد بأنين الجياع والكادحين والمهمشين وأصحاب المظالم أمام سلطة لا تسمع لهم ركزا، وأصبح البلد على حافة الانهيار.

 

ولأن ما لا يدرك كله لا يترك جله فلم لا تفكر نخبتنا في وضع بعض اللمسات التحسينية على الديمقراطية حتى تتناسب مع خصوصية المجتمع الموريتاني وحتى تعتدل رمانة الميزان في الوسط.

 

إن جلوس نخبة البلد وقادته وأحزابه ونقابييه بجيليهم الشبابي والحكمائي، معارضة وموالاة، في جلسات تشاورية تبدأ أبجدياتها من الألف حتى الياء قد أصبح مطلبا ملحا لا مندوحة عنه، فالمكاشفات الصريحة التي تتعدى الحاجز العرقي والجهوي والقبلي والمؤسسي والإيديولوجي، نحو هدف أسمى يكون فيه الخلاص، وتوضع فيه المصالح الشخصية والضيقة على جنب، وتؤسس فيه رؤية حكامية تأخذ من كل الأساليب الحكامية ما يمكن أن يضمن البقاء والتقدم لبلادنا، ويبقي لها طابعها المحلي الذي يحافظ على خصوصيتها كدولة مسلمة متعددة الأعراق هو اللبنة الأساس لأي حوار، كما أن المصارحة والمصالحة والبعد عن البرغماتية بين كل كل القوى جدير بإخراج البلد من عنق الزجاجة بغض النظر عن ما سينتج عن أي حوار من هذا النوع.

 

قد يقول البعض إن إشراك الجيش في المسألة كراع وضامن أمر خارج عن المألوف، لكنني أؤكد عليه كحل جذري من خارج الصندوق، إذ إن مشاركة الجيش في السياسة في الحالة الموريتانية أمر فرضه الواقع رغما عنا، وبدلا من مشاركته غير القانونية فلم لا نشرعنها ونضع لها الضوابط الصحيحة بدلا من المشاركة القسرية غير المعلنة، ثم إن المؤسسة العسكرية في بلادنا وبنظرة واقعية هي المؤسسة الوحيدة المتماسكة، والتي يمكن أن تضمن استمرارية أي نتائج يمكن أن يتمخض عنها أي تشاور بين ألوان الطيف، في ظل ما تحظى به من إجماع وطني ورمزية وطنية، وإشراكها في عمل كهذا كراع وضامن سيوفر له الاستمرارية وعدم المساس بثوابته أكثر من غيره، بعيدا عن التجاذبات التي طالما عشناها ونعيشها في الحال بين الطيف السياسي وضياع الثقة بين عناصره، وسيفضي حتما إلى استقرار الحكم، وبالتالي النهضة الشاملة، التي أصبحت مطلبا مستعجلا أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الجمهورية.

 

إن تمييز المنحدرين من المؤسسة العسكرية ببعض المناصب كوزارة الدفاع أو السلطات الإقليمية في المناطق الحدودية، لا يعد معياة في معجم الديمقراطية وسيضمن لها المشاركة الفعلية التي ستجعل المحافظة على الحكم أولوية من أولوياتها إذ المحافظة عليه محافظة على جزء من مكتسباتها وبالتالي فلن تفرط فيها بسهولة.

 

وإذا كانت نفس المؤسسة قد حافظت على مكتسبها غير القانوني "الرئاسة عبر الانقلاب" منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية، فان مسألة محافظتها على أي مكتسب قانوني في هذا المجال حتى ولو كان دون المرضي سيكون أمرا مفروغا منه.

 

أما الديمقراطية الصورية في أسلوبها الحالي، فقد جربناها طوال العقود الماضية، وهي سبب ما نحن فيه الآن بالتأكيد، وقد آن الأوان أن نشخص الحالة ونعالجها، إذ أن تبني الأساليب الحكامية بأسلوب عمياني دون أن نضع عليها البصمة التي تناسب خصوصية بلادنا لم يزدنا إلا خسرا، وتصحيح البداية شرط لصحة النهاية.

 

للعبرة: أعاد أردوغان تأسيس بلده كدولة قوية معاصرة وذات سيادة، ديمقراطية على المعيار الذي يناسب مراحلها وخصوصيات شعبها، انتقده الكثيرون لكن قافلته سارت رغما عن الجميع.