على مدار الساعة

عفوا إخوتي الشباب فالأحزاب والحركات الأيديولوجية ليست عيبا!

24 يناير, 2019 - 12:27
شوقي ولد محمد

مهما قيل من نقد في حق الحركات الأيديولوجية، فلا يمكن التقليل من الدور الذي قامت وما زالت تقوم به و لا يمكن أن يصل أي حزب ليست له خلفية فكرية أو حركة أو منظمة لخمس ما قامت به هذه الحركات منذ تأسيس موريتانيا وحتى اليوم.

 

فعلى المستوى الاجتماعي عملت هذه الحركات على إزالة الفوارق الاجتماعية من خلال الكسب في جميع المجتمعات بل أحيانا التركيز على مجموعات معينة، وهو ما جعل المنتسبين لهذه الحركات يتميزون بعلاقة خاصة جعلتهم أكثر تماسك بعيدا عن العشيرة والقبيلة والجهة وشكل هذا التماسك صمام أمان لموريتانيا في أوقات عصيبة نتيجة الارتباط بالأحزاب الأيديولوجية وكذلك بتنظيمات أخرى.

 

كان ولا يزال العمل الاجتماعي والتطوعي ميزة أساسية لهذه الحركات فتمت مساعدة الفقراء وتدريسهم وتنظيف الشوارع ونشر العلم والمعارف من خلال الأنشطة وحتى تم تأسيس فرق لأداء مسرحيات وأناشيد حماسية تحث على التطوع وعلى العمل الجماعي.

 

على المستوى الاقتصادي، أو الاعتماد على الدخل الذاتي للأحزاب أو الحركات هناك التبرع والاشتراك وهذا هو رأس مال هذه الحركات وكل فرد من هذه الحركات يشعر أنه جزء مهم بل وأساسي في التمويل ويمنع أطفاله وأهله ويعطي للحركة من أجل تنفيذ برامجها مما خلق استقلالية في الرأي تعتمد على النظام الداخلي لكل حركة بعيدا عن رجل الأعمال أو عن القائد الأوحد أو الشخصية الممولة.

 

على المستوى السياسي فإن تجارب هذه الحركات، رغم ما فيها من نواقص، كأي عمل بشري ، تجارب جد متطورة من حيث التكتيك والاستراتيجيات والتنظيم ومن حيث خلق شاب واعي مثقف ومحصن ودفعت الحركات الثمن باهظا في هذا فكانت قياداتها دائما معرضة للسجن والتعذيب بشتى الوسائل وحتى التصفية الجسدية.

 

ومع كل هذا ظلت الحركات السياسية صامدة رغم هذه المضايقات ورغم تجنيد أعداد كبيرة من مخابرات الدولة للالتحاق بها وتفكيكها وتشويه الصورة الحقيقة لها والتشكيك في قدراتها وإظهار زلاتها وزلات قادتها ومحاصرة مناضليها ماديا وحرمانهم من أي توظيف أو أي حق.

 

أيها الإخوة هناك فرق كبير بين الشباب الذي مر بهذه التجارب وبين الشاب الذي مارس أو يريد أن يمارس السياسة بطرق أخرى لأن شباب هذه الحركات يعمل وفق إستراتيجيات وصيغ يتم الاتفاق عليها في مؤتمرات واجتماعات لهيئات قيادية وفي طابعها العام ذات نزعة ثورية وتعمل من أجل الإنسان والوطن ولا تعمل لمصالح ضيقة وهذا ما يثبته صمودها حتى الساعة في وجه تحالف المال والسلطة وطفرة التكنولوجيا التي لم تتمكن هذه الحركات والأحزاب حتى الساعة من معرفة كيفية مسايرتهم فالشباب المستقل مستعجل ويعتمد على الخطط الارتجالية الآنية نتيجة ردات فعل وشباب وشيوخ الحركات غير متسرع ولديه منهجية وآلية غير البث المباشر والمبادرات الفردية.

 

عذرا أيها الشباب الطامح للتغيير يمكنكم العمل على تغيير الواقع والالتحاق بالعمل السياسي بأسلوب جديد بعيدا عن الأحزاب الأيديولوجية دون التقليل من شأن حركات عمرها وتجربتها سبقت ميلادكم بل سبقت استقلال موريتانيا.

 

إخوتي الشباب ما تفكرون به من طرح جيد تحدثت عنه ونفذته هذه الحركات وقدمت فيه أروع الدروس إن كان بالتضحية بالنفس والمال وإن كان بالصبر على المضايقات وإن كان بتحمل المشقة في زمن لم يكن للتضحية نصير لا إعلاميا ولا شعبيا ولا اجتماعيا ولم يكن العمل النضالي للتباهي ولا من أجل التقاط صورة بل كان للتاريخ وللأجيال وهذا ما يجعلكم اليوم لا تجدون الكثير من التفاصيل عن تاريخ الشخصيات ولا الحركات لأنها تعمل دون إصدار صوت.

 

إخوتي الشباب يمكنكم الإبداع والتطوير لكن لن يصل أي منكم لما وصلت إليه تلك الأحزاب والحركات ويمكنكم العمل دون محاولة النيل من تجربة حركات صيغها وأنظمتها تمت وفق منظور جامع ومنهج قوي رشيد قابل للمراجعة والتصحيح والتمحيص لكنه غير قابل للتجاوز ولا المزايدة ولا المنافسة.

 

أنا إخوتي الشباب معكم في الطموح وفي نقد الواقع لكن لست معكم في تحميل الحركات الأيديولوجية والأحزاب العريقة مسؤولية الوضع ولست معكم في التقليل من شأن تجارب بفضلها نعيش الحرية في الحديث ففي زمن ماضي لم يكن الحديث مقبولا ورغم ذلك كانت الحركات حاضرة لتقول لا وبصوت قوي وواضح.

 

أيها الشباب مشكلتكم ليست مع الأحزاب ولا مع الحركات الأيديولوجية ودوركم ليس التنافس معها وإظهار فشلها بل دوركم هو سد الثغرات وإكمال النقص فأنتم متميزون في العمل الميداني وسريعون في التصدي لأي عمل غير قانوني وقادرون على كشف عيوب الفاسدين بطرق شتى وسريعة والأحزاب لم تتخلص من تلك الصيغ التي تفرض التشاور على أي خطوة قبل تنفيذها ودراستها وتعميمها وفي الأخير تنفيذها والفرق بينكم وبينها كالفرق بين من يقود دراجة يمكنه في أي وقت أن يتحرك ويقوم بأي حركات ويدخل من جميع الطرقات وبين من يقود قطارا يجر الكثير من العربات لكل عربة قائد يتطلب تحرك هذا القطار حضور جميع الركاب وكل قائد والتأكد من سلامة جميع المحركات وأن يتحرك بشكل هادئ ومنظم.

 

يتواصل..

وفي الجزء الثاني: الأحزاب السياسية المعارضة والدور المطلوب.