كلمة الإصلاح دائما عودت قراءها الكرام بأن تذكرهم بحقيقة الدنيا التي هي عبارة عن أضغاث أحلام كما قال تعالى {إنما مثـل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختـلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح} الخ الآية.
ومن المؤسف أن الحكام يتصرفون أثناءها كأنهم مخلدون، وبعد ما يشبه طرفة عين فإذا الحاكم... دلالة حدوثه على فنائه منتهية صلاحيته للحياة أو منتهية ولايته حتى تحين الأخرى، وهنا يقول المولى عز وجل للجميع {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء}. - محضرا كذلك –{تود لو أن بينها وبينه أمدا بعـيدا ويحذركم الله نفسه}.
وما دامت الآية قدمت ذكر الخير المحضر لكل نفس ـ فإني أقدم الخير في نظري الذي قدمه الرئيس المنصرف - المنتظر الرجوع لموريتانيا - من يوم قدومه حتى الآن ، وعلى رأس هذا الخير في نظري أنه أنـقذ موريتانيا من الانهيار المحقق إثر إعطاء الحياة السياسية والمادية للمنتخبين في الديمقراطية العسكرية الفوضوية سنة 92 فعبث المنتخبون بالدولة من جذورها أمام السلطة آن ذاك التي كادت تحاصرها نتائج الأحداث من طرف أمريكا وأوربا .
إلا أن هذا الرئيس من يوم انقلابه وضع يده وعينه على الدولة كلها كملك خاص نظرا لتمكنه من تحريك الحرس الرئاسي حيث شاء فوضع على موريتانيا أولا من يريده هو مجرد نائب عنه عسكريا كان أو مدنيا، وعندما ظن هو أن المجتمع سوف يتعامل مع غيره فتولى الأمر بنفسه، ولكنه من جهة استغلال كثير من مثـقفي الشعب ووجهاء بعض القبائل المعروفين الذين أخضعهم الرئيس السابق للطمع المميت مقابل النفع المادي من أملاك الشعب والتعيينات السياسية فأبقي هذا الرئيس على تلك التبعية المميتة للكرامة مقابل قـليل من المادة والتعيينات السياسية ولكن عوضها بتـلك الفئة بتـقريبهم حزبيا فقط وإظهار كراهة من لم يتصرف بقوة تصرفهم في التبعية حتى كادت موريتانيا أن تصبح شعبين شعبا يلهث بمدح القائد فهو مقرب عن طريق الحزب وشعب آخر لا حق له في الدولة وأثناء طول مدة الحكم الذي دام أكثر من عشر سنوات وضع هذا الرئيس جميع جسده على الدولة برا وبحرا وجوا ويعنى هذا بالخصوص من جميع موارد الدولة ولاشك أنه بدأ فكريا ينفخ الروح في الدولة حتى تخرج إلى الوجود بعد ما وصلت إليه من الانهيار، إلا أنه مع الأسف تقاسم جميع الخيرات التي تقتصر معرفة حقيقتها عليه هو فقط ووزير اقتصاده الذي اكتشفه أخيرا صالحا ومتهيئا للعمليات الخصوصية أيا كانت ـ فقسم الخيرات بينه هو والجيش الذي يطلق عليه القوات المسلحة لتأمين الأمن الخارجي مع ما يتضمن ذلك من عموم النفع لذلك القطاع بالخصوص، بالإضافة إلى سمعة موريتانيا عربيا ودوليا إلى ما يمكنها أن تصله في هذه المدة .
ونتيجة لطلب الاختصار فإني سوف أحدد بالحروف ما تحصل من الخيرات لموريتانيا في هذه المدة، وبعد ذلك نذكر التركة السيئة التي تركها هذا الرئيس .
أولا: الإنقـاذ من الانهيار المحقق كما تـقدم .
ثانيا: إحياء المؤسسة العسكرية حياة طيبة في نفسها ولرعاية الأمن الخارجي .
ثالثا: الارتفاع إلى الحد الممكن بسمعة موريتانيا خارجيا وأقول عالميا .
أما التركة السيئة فهي نلخصها جدا فيما يـلي :
أولا: التفاحش في كسب المواطنين المصفقين المتملقين المثقفين ووجهاء قبائل كانوا أصلا في العهد السابق معروفين بالولاء المادي المميت .
ثانيا: ترك تفرقة شرائحية بدأت في عهده ونفخ فيها روح الكراهية العنصرية، بعضنا لبعض واتسع الخرق على الراقع وتركها مرضا عضالا لا يدري إلا الله مدى حدوده المستقـبلية في الأجسام الموريتانية .
ثالثا: انفلات الأمن الداخلي حيث أصبح معتادا في الظهور كل صباح من دون أي يلفت النظر وأكثر ضحاياه الفقراء، وإذا لم يلتـفت إليه من جديد كمثـل الالتـفات على القوات المسلحة للقضاء على هذه الجرائم جملة وتفصيلا ووضعها مباشرة تحت إدارة إقـليمية بعد إحيائها بعد مماتها ووضع قوتها الداخلية بالداخل تحت إمرتها ومتابعة العمل حتى السيطرة الكاملة حتى تمر أيام دون وقوع جريمة فعلية بالسلاح الأبيض فعندئذ يزول هذا الخطر الناشئ في هذا العهد المنصرف المنتظر الرجوع .
رابعا: تركة للتـفرقة فلا بد من إرجاع تلاحم جميع المواطنين بدون موالاة ولا معارضة ولا شريحة إلى آخره حتى نعود كما تركنا المرحوم المختار بن داداه .
خامسا: الفقراء: لا شك أن جميع الموريتانيين سمعوا أن هذا الرئيس قال في أول رئاسته أنه رئيس للفقراء ولم يعلم الفقراء نوع رئاسته لهم، والذي ظهر أنه يعنى أنه رئيس موريتانيا، وبذلك يكون رئيس ضعفائهم فكم ترك من فقير لا يسأل الناس إلحافا وإذا وجه تحقيقا في الأحياء الشعبية عن سبب الوفاة فيها فلا شك أنه يسمع ما يدمي قـلب الإنسان ولو كان كالحجارة أو أشد قسوة .
سادسا: وما تحت هذا الرقم لثـقله على نفس المؤمن في الدنيا والآخرة أخرت ذكره لأفصله فهو ليس من شكل التركة السيئة ولكنه من شكل التركة الأسوأ فنرجو إعارته للتعبير به هنا، ألا وهو تركنا في لائحة التبعية الهزيلة العمياء للأمراض الفتاكة والفيروسات القاتـلة التي يحملها قـلب محمد بن زايد .
فرئيسنا المنصرف المنتظر لم يدرك مع الأسف شهامة العروبة ورسوخ الإسلام القرآني وإباء الكرامة النابتة للوالد زايد آل نهيان .
فتركة الولد من الوالد جعلها مادية دنيوية كأنها لا تؤمن ببعث ولا نشور فالمسلمون كثير منهم يسمع بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن لا يجيئه أحد منهم يحمل على ظهره أي شيء ناطق ولا صامت قد تعدي على صاحبه، وهذا الرجل سيجد أمامه مجازر من المسلمين في كل من اليمن وليبيا إلى آخره .
ومن أسوء فكر العسكريين في قيادتهم المدنيين أنهم لا يتقاصرون عن أي إساءة عليهم إذا كانت تحد من إرادتهم .
فمعاوية استدعى سفارة إسراءيل في نواكشوط ومعلوم أن الشعب الموريتاني هو أبغض شعب لليهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا كما في القرآن، ومع ذلك فتح السفارة ببساطة، وهذا الرئيس مقابل رفعه لسمعتـنا في الدول جعلنا أقزاما تحت قدم طموحات محمد بن زايد مثـل الصومال وجيبوتي وكل من يريد أن يبيع مطاراته وموانئه مقابل كرامته لهذا الرجل الذي سيفني شبابه يبحث عن أي مسلم قرآني ليـقـتـله شر قـتـلة .
فالشعب الموريتاني كان من خصائصه أنه الضعيف فالمختار كان ضد أمريكا ومعاوية قـبل الأحداث كنا مع الممانعة وكان أفراد شعبنا في الدول يرفعون رؤوسهم بذلك في المحافل ـ ولكن التركة الأسوئية (إن صح التعبير) هي أن هذا الرئيس الذي تركنا مرهونين تحت أذرع ذلك الرجل الدنيوي وشركاته وعطاياه المسمومة لقــتـل المسلمين أينما كانوا .
فنحن قطعنا العلاقة مع قطر مع أننا من الدول الضعفاء ماديا ومعنويا وامتنعنا من عقد اجتماع الجامعة العربية عند طلب ليبيا لأن دول محور الشر كما يقول الرئيس التونسي السابق المرزوقي لم تستجب للطلب، وهنا تتحدد قيادة العسكري للمدني فالعسكري لا يعـتد إلا بشخصيته الدنيوية المحدودة جدا والرئيس المدني لا يفعل شيئا إلا إذا تيقن أن أغلبية الشعب تقبـله .
ومن هنا أطلب من جميع الموريتانيين الأباة أن يتنبهوا أن هذا الرئيس المنصرف المنتظر تركنا جميعا رهائن، وأن على الجميع أن يطلب من الرئيس الجديد أن أول خطوة يخطوها هي تحريرنا من رهانات جميع مواردنا الاقتصادية وقبل ذلك رهان كرامتـنا وأن يحل أسرنا من تبعية ذلك الرجل الخطير على جميع الأمة العربية والإسلامية فهو كما شاهد الجميع: إن يرى سبيل الرشد لا يتخذه سبيلا وإن يرى سبيل الغي يتخذه سبيلا .
فإذا لم يـبـدأ هذا الرئيس بفـك أسرنا منه فنـشهده أنـنا أصابتـنا مصيـبة لا صبر عليها ونـنـفذ ما أمرنا الله به وهو قولنا: إنا لله وإنا إليه راجعون حتى نجد ما رتب الله على ذلك.