على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تنادى على كل الشعب الموريتاني: واغوثاه واغـوثاه واغوثاه

13 يونيو, 2019 - 18:34
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

الحلقة الثانية

كلمة للإصلاح تريد هذه المرة أن تسمع عقلاء موريتانيا رأيها العام في الحياة العامة الدنيوية والأخروية وإلا فليس عندها إلا كلمة مؤمن آل فرعون التي بلغها الله عنه في قوله تعالى: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله}.

 

أما الرأي العام فهو أن يكون الموريتانيون مسلمون حقا وواقعيون حقا كذلك وعاملين بمقتضى ذلك فكلمة إسلاميون حقا أن يحذفوا من قاموس كلامهم كلمة "الإسلام السياسي" أو يحذفوا على الأقل من قلوبهم المفهوم المتبادر منها، لأن قول غير المعقول لا يصدر من عاقل، فالإسلام لم يخصص شيئا من قول أو فعل الإنسان يضاف إليه وآخر لا يضاف إلى الإسلام.

 

فقول فرعون {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني أظنه من الكاذبين} كلام طاغية لا عقل له يذكره بالعجز عن تنفيذ أوامره فكذلك المسلم عندما يقول "الإسلام السياسي" ومع ذلك يريد أن يبقي مسلما فهو هنا إما لم يستعمل عقله وإما يريد حذف آيات من القرآن.

 

فالإنسان يوم القيامة عندما يقرأ ما كتب عنه في حياته يقول {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا} فهل كتاب الإنسان هنا كتب فيه شيء غير إسلامي أم ماذا؟، ويقول تعالى أيضا في شأن الإنسان {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وأيضا {وما تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} الخ الآية فهل هناك مخصص يخصص قولا للإنسان أو فعلا بعضه للعبادة وبعضه للسياسة ولا يكتب إلا الأول: أو ليس جميع قول الإنسان أو فعله إلا وجوبا أو حراما أو مباحا وتجري عليه جميعا أحكام ذلك بدون أي تميـيز فيها؟.

 

هذا من جهة الإسلام المفروض أحكامه بقوة عجز الإنسان عن رفضها كما في الحديث: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" الخ الحديث الصحيح، ولذا فإن قوله تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف} إلى قوله {وشيبة يخلق ما يشاء} فتدرج حياة الإنسان هكذا هو شاهد حاضر وعاجز عن تغييرها.

 

أما من جهة الواقع فنحن اخترنا أن نكون جمهورية عندها دستورها وقوانينها وذلك يقتضي أننا متساوون في تطبيق ما اتفقنا على تسيير حياتنا على ضوئه، فعدم امتـثالنا له تمرد وخيانة للأمانة فأصحاب الانقلابات ساعة انقلابهم موصوفون بخيانة الأمانة، فلو قام حارس أو أي قوة بإيذاء محروسه فـتلك خيانة للدولة التي أسندت له الحراسة.

 

فمثلا هذا الرئيس يمدحه أنصاره بأنه تخلى بمحض إرادته عن المأمورية الثالثة فهذا كلام غير واقعي ولا يقوله عاقل لأن المأمورية الثالثة غير موجودة مثل المأمورية قبل الأولى، فترك المعدوم إجباري، فـلو قال فرعون تركت الصعود إلى إله موسى ومدحه بذلك أي أحد، فالمادح يكون غير عاقل، أما فرضه بالقوة فهو تمرد وخيانة يذم عليها، ونحن نعلم أن كثيرا من المثـقفين والسياسيين نادى كثيرا بتفضيل هذا الرئيس لتنازله عن المأمورية الثالثة، فلم نعلم أن أي رئيس يمن على شعبه أنه تنازل عن مأمورية لا توجد في دستور بلده، فلو نجح أحد هؤلاء المترشحين وتنازل بمحض إرادته عن مأموريته الثانية فهناك كلام معقول يسمع من صاحبه.

 

فـلنكن واقعيين ونترك للعقلاء ميدان استعمال عقولهم، أما مظهر الواقعية الثاني فهو قضية الانجازات فالرئيس عندما يعين هل مطلوب منه الانجاز أو التدمير؟ فإذا كان كل عاقل يطلب منه الإيجاز وقام به وانتهت مأموريته التي عين لها لتحصيل هذا الإنجاز فهل الواقعية تقتضي من هذا الرئيس أن لا يسلم إنجازاته إلا لمن يثـق هو فيه ـ وهل الدولة ليس عندها آلة تسلم بعدها قيادتها لكل من اتفق عليه لتكميل الإنجاز أو مضاعفاته، فعيب كل العيب على المثقفين والسياسيين أن يصدعوا دائما أمام أصحاب العقول بما لا محل له في العقل والواقعية.

 

فالرئيس المنصرف ليس له وصية على الشعب ولا الاهتمام بأموره العامة إلا كمواطن في هذا الأخير وعليه أن يتكلم كأي مواطن في المنتخب القادم، وإنها لخيانة عظمى واحتقار للشعب عندما يستعمل أمام الشعب شخصيته التي اكتسبها من تصويت الشعب له ضد قوانين الدولة:

 

أولا: لأن تلك المعنوية الشخصية والمادية لو جلس في بيته ولم ينقـلب أولا وترشح ثانيا لم يكتسبها وأكثر من ذلك إهانة للشعب وتعد على أملاكه باستعمالها الشخصي فيما تعود نتيجته إلى ما بعد مأموريته.

 

فمثلا هل يجوز لوزير أنجز كثيرا في وزارته وعين مكانه وزير آخر أن يقول له أنا لا أقبل تعيينك لئلا تضيع إنجازاتي وسوف نطلب بكل الوسائل من الجهة التي عينتك أن تعين آخر نرضى أنا عنه ليستمر الإنجاز، فعلى العقلاء في الدولة ــ أيا كانوا ــ أن ينصحوا جميع أفرادها بأن لا يجعلوها أمام الأجانب: مراقبين وسفراء أضحوكة في العالم الديمقراطي.

 

فهل سمع أي أحد في العالم الديمقراطي وفي انتخاب رؤسائها مرشح السلطة؟

فالسلطة معنى لا يملكه إلا الشعب ويعطيه لمن نجح ولا يستمر مع من انتهت مأموريته وحتى لو استعمل هذه السلطة في أي شيء يؤول إلى ما بعد مأموريته فيكون كمن يأكل من طعام الأعمى وهو تحت يده ولا يقدر منعه عن ذلك، (فالشعب هنا لطمع كثيره أعمى) ولكن قـلوب العقلاء تستقذر فعل هذا واتكاله على أن الأعمى لا يستطيع منعه من أكل طعامه من تحت يده.

 

ومن هنا أطرح هذا السؤال البسيط: فهل كل من تـقاعد في مهنته يمن على الشعب أنه قبل هذا التـقاعد، ويشترط على الدولة أن لا تعين إلا من ارتضاه هو ويكون مجربا لسيرة حياته.

 

ومن هنا أصل إلى مناقشة عمل هذا الرئيس بوصفه رئيسا لموريتانيا لا بوصفه الشخصي فذلك الوصف الشخصي لم يسجل عليه فيه شيء يحط من شخصيته قبل انقلابه على معاوية، فكنا نسمع عنه أنه عسكري متدين ومنعزل عن معمع الحياة العامة، أما بعد انقلابه على معاوية فمن يدرك حقيقة موريتانيا آنذاك ـ فإن لم يرم فوقه الورود علنا فقد يرميها عليه بقـلبه هو وخليله في الدنيا وأرجوا من الله ألا يكونا أعداء في الآخرة.

 

وبعد وصوله إلى الحكم الذي جاءه بروح وعمل عسكريين، ومع أن العسكريين أشخاص من البشر فقد تكون شخصية أحدهم الطيبة تعينها شخصيته العسكرية على عمل كل طيب ـ إلا أن عدم معرفة المهنة ـ ولا سيما إذا كانت قبلها مهنية خاصة ومدرب عليها تدريبا مهنيا خاصا فيصعب على الشخصية ذات الطبيعة الطيبة أن تتغـلب على الشخصية العسكرية ولذا فإن هذا الرئيس بدأ في أول رئاسته ولا سيما رئاسته الثانية بعد خلعه لرئيسه وجعل نفسه مكانه كما ذكرنا ذلك في الحلقة الأولى أطلق تصريحات كان الموريتانيون يعولون عليها تعويلا أخلاقيا محتاجا إليه فأعلن محاربة الفساد ورئاسة الفقراء والرفع من شأن موريتانيا إلى مصاف الدول المتقدمة، وفعلا بدأ ذلك ولكن ما وصلنا إلى سنة مأموريته الثانية وعلم هو علم اليقين من أين تؤكل كتف الشعب الموريتاني وخيراته حتى انفصلت نهائيا إنجازاته وإخفاقاته وتمايز كذلك رجال الفساد الأول عن رجال الفساد الجدد وأصبحت موريتانيا الدولة هكذا ليس فيها إلا رجل واحد وزملاؤه من خارج موريتانيا يحاول أن يتدارك بركبهم ويتكيف معهم وإن كان هو جاء بصورة انتخاب وهم جاءوا بإرث لا ثنائية فيه في الحكم ولا مشاورة ولكن بدل ذلك امتلاك الثروة الطائلة التي لا تعرف انتهاء ومع أن الوقوف معهم في الصف يستدعى تنكرا كاملا للبيئة التـقليدية الموريتانية فقرا وديمقراطيا، فإن محاولة ذلك لا تعد من الممنوعات عند أمثال زملائه الجدد في الخليج وهم يدفعونه إلى ذلك دفعا وفعلا استطاع هذا الرجل أن يميز بين من يستطيع الإنجاز فيه فقطع فيه شوطا بعيد ا تاركا جوانب أخرى تتعلق بالشعب أخفق فيها بل لم تلفـت نظره من مأموريته الثانية إلى أيام هذه الحملة التي يحاول من خلالها أن يثبت في مكانه ولو بواسطة زميله حتى تتحقق له العودة.

 

والآن أضع هذا الرأي بين المترشحين ليعين كل واحد منهم شخصا فنيا وسياسيا ومثقفا ليجتمعوا ويقوموا نتيجة الإنجازات التي أنجزها هذا الرئيس ويخاف عليها التوقف ويريد المحافظة عليها كما هي في موريتانيا، وينظرون كذلك إلى الاخفاقات وهل يمكن لموريتانيا أن تستمر في ذلك إلى ما لانهاية؟، وينجزوا تـقريرا مفصلا عن ذلك قبل الانتخابات.

 

فلا شك أن هذا الرئيس قد أنجز في بعض المؤسسات الموريتانية وعلى رأسها الأمن الخارجي ووزارة الدفاع ــ فقد أنفق تحت إشرافه كثيرا من ميزانية الدولة وكافح المنحرفين دينيا باستماتة حتى أبعد خطرهم عن موريتانيا وكذلك أنشأ كثيرا من البنى التحتية إلا أن أغلبها أسس من غير رعاية فنية فإما لم يعمر كثيرا وإما لم ينته تأسيسه وعلى كل حال ظهر فيه العمل الارتجالي غير المراقب وكذلك رفع من شأن موريتانيا لصالح سمعته هو، لأن الدبلوماسية الموريتانية لم تفعل شيئا يذكر لمصلحة الشعب في الدول المعتمدة فيها إلا أن من السفراء من أعطاه الله خلقا لا يحتاج للتوجيه إلى ما فيه مصلحة الشعب والاهتمام به ونكران الذات لمنفعة الشعب كل الشعب مثـل المترشح / سيد محمد بن ببكر.

 

هذا المذكور من الإنجازات أعلاه هو أهم شيء أنجز فيه الرجل مدة رئاسته.

 

أما ما أخفق فيه أو لم يتوجه إليه حتى يوصف بأنه أخفق بل أحسن أن يقال لم يخطر له على بال فأساسه شيئـين هما:

الأول: الأمن الداخلي.

الثاني: الأمن الغذائي.

 

فهذان الضروريان لحياة الشعوب يمكن أن يقال إنهما لم يخطرا على بال هذا الرئيس محمد بن عبد العزيز وعليه فقوله أنه مستميت في نجاح غزواني، ومن أهم ما يريده له هو المحافظة على ما ترك هو من الإنجاز لئلا يتوقف، وإذا كان بالمقابل يريده أن يقصر فيما قصر هو فيه فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

وهذا قليل من التحليل للموضوع: فالأمن الداخلي قلعه من جذوره حيث قضى على الإدارة الإقليمية ورئاستها على رجال الأمن الداخلي.

 

فمدير الأمن لم يسند إليه أمن الدولة بل أسند إليه جاهزية رجال الأمن لوجستيا ومعنويا وحضورا لتوفير الأمن تحت رئاسة الإدارة الإقليمية التي قضى هو عليها مبكرا وقضى على قوتها الداخلية معها ولولا أن الله هداه لتعيين مدير الأمن الحالي لذهب اسمها مع عملها في موريتانيا وأصعب ما في الأمر أنه تركها بدون بديـل وكان من نتيجة ذلك أن اشتـغل السلاح الأبيض في قـلوب المواطنين وجنوبهم وظهورهم كأنهم مانعين للزكاة كما قال تعالى {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} إلى آخر الآية .

 

وإلى الحلقـة الثالثة والأخيرة إن شاء الله من كلمة الإصلاح للشعب (واغوثاه) فسيكون الموضوع مفصلا في فقدان الأمن الداخلي والأمن الغذائي وأسباب ذلك.