كلمة الإصلاح بالرغم من أنها ما زالت في الصدمة التي أصابتها من ضربة رئيس المجلس الدستوري للكرامة الموريتانية الشنقيطية في الصميم وأمام العالم وفي أعظم مناسبة تحتاج إلى احترام المقدسات التي صوت الشعب الموريتاني على جعلها مقدسات له وألزم رئيس الدولة بأن يكون هو نفسه حاميها داخل وثيقة الدستور التي أجمع عليها الموريتانيون مثـل الإسلام ـ والعلم ـ والنشيد ـ وختم الدولة ـ واللغة العربية هذا المقدس الأخير في التعـداد الآن ولكنه الثاني في القداسة بعد الإسلام لأنها منه أخذت القداسة التي تلزم جميع الموريتانيين احترامها ـ فإني أكتب ما يلي:
هذا المقدس قام ذلك الرجل الذي عينه الرئيس المنتهية ولايته رئيسا للمجلس الدستوري نيابة عنه في حمايته، وهذا التعيين هو الذي خول لذلك الرجل أن يجلس في مكانه الذي أهان فيه كرامة الشعب الموريتاني الشنقيطي أمام قادة بعض العالم مباشرة وأمام العالم كله إعلاميا، فقد قام بإلقاء بالقاف كلمة الدستور الموريتاني بلغة الاستعمار التي لا مكان لها أصلا ولا سيما في هذه الساعة الدقيقة الخاصة بالشعب الموريتاني في أحسن وقـت يتجلى فيه عزمه وحزمه ودماثة أخلاقه وانصياعه بأريحية معروفة له أصلا بالتـقبل لكل طارئ يخدم الوطن كله نوعا وصفة: ألا وهو التبادل السلمي على السلطة طبقا لأوامر الإسلام في قوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} ورده إلى الله ورسوله هنا هو القرعة على المترشحين المتساوين أمام الرأي الوطني في تولي المنصب.
ولكن هذا الرجل الذي أسندت إليه حماية الدستور ـ فاختار إلغاء بالغين المقـدس داخل مؤسسته وإلقاء بالقاف بدل المقدس تداول المجلس الدستوري الموريتاني بلغة المستعمر التي تجنب المقـنن الوطني المؤمن ساعة كتابة الدستور ذكرها بحرف واحد بل تجاهلها كما تجاهل جميع لغات العالم.
فتعمد ذلك المقـنن أن يأتي بهذه العبارة البلاغية المؤذنة بالحصر في لغة العرب لغة القرآن ولغة أهل الجنة جميعا عربهم وعجمهم.
فقال المقـنن في المادة الثامنة من الدستور: "اللغات الوطنية العربية والبولارية والسونكية والولفية اللغة الرسمية هي العربية"، فأتى عند ذكرها بإبراز الضمير المؤذن بحصر المسند في المسند إليه والمسند هنا هو "الرسمية" والمسند إليه هو "العربية" كما قال تعالى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}.
فهذا الرجل لم يفكر ولم يذكره أحد أفراد مجلسه أن المقدس هنا هو اللغة التي سيلقي بها أي خطاب يتعلق موضوعه بعامة الموريتانيين بغض النظر عن من ألقاه فكان حريا برئيس المجلس أن لا يتجاهل شعور غالبية الموريتانيين حقيقة وجميع الموريتانيين رسميا في مقـدساتهم.
ومن ما يزيد إهانة هذه الكرامة أن رئيس المجلس هذا يتـقن اللغة العربية أحسن إتـقان فكنا نستمع إليه وهو وزير الدفاع يتنازع مع قس بن ساعدة رئاسة الخطابة بلغة جزلة مفصلة وفي وقت ليس فيه إلا إظهار العمل لزائر واحد في منطقة خاصة ولا قداسة ظاهرة.
فهذا الرجل مع الأسف أيضا اختار ساعة شبه فراغ للرئاسة ممن يحمي مقدساتها فأهان هو فيها الموريتانيين، فالرئيس الذي أتي به لهذا المنصب في استعداده الأخير للنهاية وقد نهاه عن هذه الإهانة وأمره بترك اللغة الفرنسية فامتنع له لأول مرة لضعف مسؤولية الرئيس آنذاك عن التصرف والرئيس الجديد لم يؤد اليمين الدستورية بعد لتلزمه مباشرة بحماية الدستور ـ والآن لزمته حمايته وعليه أن يتصرف.
وبناء على أن هذه الكلمة مجرد غيرة على قضية هذه اللغة المقدسة أصلا عند المسلمين وجعلت مقدسة داخل الدستور الموريتاني فإني أطرح هذا السؤال الذي حان طرحه بين الموريتانيين: هل المادة الدستورية الثامنة تجعل العربية من المقدسات الوطنية مثل العلم والنشيد أم هي كلمة كتبت ولا تـقدس شيئا، فأي أحد اختار أن يرفع علم أي دولة فوق أرض موريتانيا فـله ذلك؟.
فإذا كانت مقدسة فحان للموريتانيين بعد ما يقرب من ستين سنة أن يقرروا موقفهم السيادي من الدولة فيها ويحددوا مكان اعتبار هذه القدسية ويحترمونه جميعا أو يقرروا أن لا مكان لها خاصة في الدولة يجب احترامها به ـ لأن مكانها هذا الذي أهين فيه الشعب الموريتاني عن طريق عدم احترامها هو أكبر مقدس لجميع الموريتانيين.
فمن رأى تصرف هذا الرجل يتيقن أنه خريجي مدرسة "حزب تواصل" أو أن زعماء تواصل هم أساتذته هو، حيث إن ذلك الحزب يكاد أن يجبر في أي مناسبة مؤتمريه على ترجمة القرآن في صلواتهم أيام انعقاد المؤتمرات فكل ما يقال فيها فلا بد من ترجمته ولو للكراسي التي تبقي خاوية من أصحابها ساعة الترجمة ــ أولا لأن الجميع يسمع العربية حتى الأقـلية في الحزب بمختلف شرائحها الذي يظن أنهم لا يعرفون العربية فبعضهم يعرفها أحسن من مواطنيهم ـ العرب ـ في معرفتها ولكن الترجمة أمر إجباري من الرؤساء ـ فكم قصمو القلوب بهذه الأوامر كما قصم هذا الرجل رئيس المجلس الدستوري قـلوب جميع الموريتانيين بتـلك الترجمة الاستعمارية يوم تنصيب رئيس نجح في الشوط الأول بأصوات الموريتانيين.
ووجه الشبه هنا واضح فالرجل الذي أهان موريتانيا وأهان معها الرؤساء الأفارقة الحاضرين غير المتفرنسين وكذلك العرب ـ إلا أن العرب الآن لا تذكر إهانتهم لأنهم فعلوها في الماضي القريب والحاضر المعيش ـ والمستقبل المنظور في كل شيء يتعلق بهم فعلوها بأيديهم ــ ولكن زيادة وجه الشبه بين رئيس المجلس الدستوري وتواصل... هو أن الجميع يدرك أن هذه الترجمة لا ينـتـفع بها الموريتانيين الحاضرين لسماع الحضور جميعا للكلمة العربية والمنتفع هنا هو الإعلام الأجنبي في فرنسا وبلجيكا وقليل جدا من دول الأفارقة وكبك في كندا.
ومن هنا نعود إلى العنوان وهو: قـتل السيد / الرئيس الجديد بخطابه لعصفورين بخطاب واحد.
فالعصفور الأول هو خطاب رئيس المجلس الدستوري على منصة موريتانيا لتبادل رؤسائها بصفة سلمية باللغة الأجنبية الفرنسية كما تـقدم تفصيله، أما رصاصة قـتـل الخطاب فهي أن من سمع من الحاضرين له يلقي بالرطانة الأجنبية فوق المنصة مداولة المجلس الدستوري فقد سمع من رئيس الدولة الموريتانية نفسه وهو أعلى سلطة في البلاد خطابه المرصع بكلمات وجمل اللغة العربية المذهبة الحاملة للمعنى والمبني وينظر إلى قذف قـلوب الحاضرين بها حتى كأنه يريد أن يسمع الأخرس لفحوى ما يقول لينـفذه وبصدوره من القلب دخل في القـلب بلغته الجزلة القريبة السهلة الممتـنعة لفظا ومعنى حتى لمن لا يعرفها والمقروءة أصولها في المحاظر الموريتانية بعيدا عن كراسي الرطانة الأجنبية.
ذلك الخطاب الذي جاء به المولى عز وجل من صاحبه كأنه يستمع إلى ربه وهو يقول له {إن يعلم الله في قـلوبكم خيرا يوتـكم خيرا}.
وعليه فلا شك أن رئيس المجلس الدستوري وهو السامع للعربية جيدا أن يكون أخجله هذا الخطاب الذي يكاد أن يقف وحده مجسما عربيا يتكلم بلغته.
ومن الملاحظ أيضا في عظمة الإهانة على الموريتانيين هو أن رئيس المجلس الدستوري يعرف لغـته الأم وهي أول اللغات الوطنية بعد العربية لحجم المتكلمين بها في الوطن، فهي الثانية من اللغات الوطنية بعد العربية فكان عليه أن يتكلم للموريتانيين بإلقاء الكلمة بلغة غير رسمية في الدستور أن يلـقيها بالبولارية اللغة الوطنية فهناك من مواطنيه العرب من يعرفها أكثر من ما يعرف من الرطانة الأجنبية الفرنسة.
أما قـتـل خطاب الرئيس الجديد للعصفور الثاني بهذا الخطاب ـ فهو ما جاء في هذا الخطاب من معنى يعرفه الإسلام وتعرفه المجتمعات المتحضرة ولكن لا يعرفه الرئيس المنتهية ولايته وكثر من المعارضة المتطرفة لا تعرفه كذلك.
فهذا الرئيس المنصرف لا زلت أكرر أنا شخصيا وأعترف بأنه المنقذ لموريتانيا سنة 2005 التي كادت تنهار بسبب ظهور الديمقراطية الفوضوية العسكرية سنة 92 وقد قام هذا الرجل بشخصيته الفعالة بإحياء موريتانيا ونفخ الروح فيها إلا أنه بطبيعته الشخصية وتكوينه العسكري نفخ الروح في بعضها وقـتـل البعض الآخر كما فصلناه في مقال آخر.
والآن سأوضح بما جاء في هذا الخطاب من ضرب قاتـل في كلمات موجزة ولكنها في الحقيقة قاتـلة فتلك الكلمات التي ودع بها هذا الرئيس زميله ورفيق دربه لا شك أنها ضربات هاشميات قاتـلة وهي لا تنحصر ولكن من المأذون منها في الدخول من غير استئذان كلمة ـ أنه رئيس لجميع الموريتانيين ـ بمعنى أنه ليس رئيسا للقوات المسلحة والمؤسسات المالية فقط، وأنه يحترم جميع الآراء ومستعد لنقاشها جاءت من الموالاة أو المعارضة على حد سواء، وأن الدولة تتركب رسميا من موالاة تـنفـذ ومعارضة تـنبه إلى آخر الكلمات التي كلما أوجع بها زميله ورفيق دربه تحول إلى الجانب الآخر لتسقط عليه كلمة أخرى قريبة المأخذ واجبة الاستحقاق في الدول ولكن هذا الرئيس المنصرف تخيل له أنه قائد معركة بين مواطنين موالين ميتي الحساسية إلا لسانا يلهج بالثناء وبين عدو آخر لا موطن له في موريتانيا فإن كان له مال فسيوف المالية جاهزة لضربه على مقاتـله فإما أن يدخل في حظيرة الدواجن من البشر وإما أن يلوذ بالفرار.
ومن النكسات الدنيوية التي نرجو من الله أن يجنبها شرها هو أن هذا الرئيس المنتهية ولايته ابتلاه الله أخيرا بالتعرف على حمقاء الخليج الذين جعل الله طبائعهم الوجه المضاد للطبائع الموريتانية فهم ما زالوا يحتفظون بغلظ الطبيعة البدوية وحمقها والعمل بالحماقة الموروثة خلفا عن سلف فأضاف إليها ملوكهم وأمراؤهم الكره المتأصل للإسلام القرآني فجعلوه هدفا لطبيعتهم تلك وأضافوا إليه الشعب الفلسطيني تقربا لليهود وصنم الخليج الأكبر (ترمب).
ومع الأسف عندما اتصل بهم رئيسنا أخيرا جاء من عندهم يحمل فيروساتهم من كره الإسلام والمسلمين وجاء يكرر ما لا يعرف عنه شيئا إلا السماع من جاهل له متسلط مع أنه هو يعرف اللقمات التي يأكل المسلم هنا يوميا وكل الموريتانيين مسلمون وجاء بتلك الروح يرعد ويزبد اقفـل ذاك وذاك.. هؤلاء قـتـلة مجرمون الخ أي ما يقوله من يتكلم نيابة عن غيره الظالم لنفسه.
وعلى كل حال فهنيئا لصاحب الخطاب القاتـل لعصافير الدنيا وهنيئا لنا نحن الموريتانيين بنجاح من يعلم مدلول قوله تعالى {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} وأنه يعنيه ـ وهنا أنتهز الفرصة لأقول لجميع المعارضة إن الرئيس الجديد ألقى الكرة في ملعبهم بضربة هاشمية.
فمن كان يرجو لقاء الله (منهم) فليعمل عملا صالحا مبنيا على قوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} وقوله تعالى {فإن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا} صدق الله العظيم.