كلمة الإصلاح تابعت برصد واهتمام ما تقدم حتى الآن من حركات وسكنات للحكومة الجديدة ابتداء من الرئيس وانتهاء بالوزراء والمصالح التابعة لكل وزير، وبما أن الحكم على الجميع بالإيجاب أو السلب ما زال مبكرا فإني ألفت نظر جميع الإعلاميين والمدونين والموالين والمعارضين إلى أنه حان لهم وبصفة جماعية أن يرحموا هذا الشعب المسكين الذي علمه حكامه السابقون والعسكريون منهم أن القول والفعل للمواطن منحصر في الموالات والمعارضة المنزوع منهما تعاليم الدين الواضحة التي يختصرها قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}.
فالموريتانيون كما نعلم جميعا مرت إدارتهم بأربعة مراحل تختلف كل مرحلة عن الأخرى وذلك من تاريخ الاستقلال حتى الآن، ومن المعلوم للقارئ قبل هذا التفصيل أن الدولة هي الإدارة التنفيذية ولا سيما في العالم الثالث، وبالأخص العالم العربي الذي لا حاكم فيه إلا شخص واحد، فالدول الديمقراطية حقا لا يذكر رئيسها إلا في العلاقات الدولية، فالوزير فيها مسؤول مباشر عن وزارته من ألفها إلى يائها، ومسؤول عن ذلك أمام المواطنين، هذه المسؤولية المختصة بالوزير مباشرة هي التي عشناها نحن الموريتانيين في إدارتنا الذهبية المدنية، فوزير الوظيفة العمومية والداخلية والتنمية الريفية والعدل إلخ الوزارات وذكرت هذه هنا فقط لأنها هي التي تدور عليها سعادة حياة المواطن أو تعاستها مثل تحقيق العدل في كل متعلقات هذه الوزارات، ففي تلك السنوات المدنية قليلة المدة كثيرة العدالة العامة بين المواطنين عاش الشعب الموريتاني عدالة طبيعية كأن حاكمه آنذاك استلم الحكم من دولة المرابطين مباشرة بمعنى الحضارة والمساواة والعدالة الداخلة على كل بيت.
فلا ظلم بين المواطنين أمام الحاكم أو الوالي أو الشرطي أو المسابقات الوظيفية أو تقسيم القطع الأرضية ولا غياب عن المهنة أيا كانت إلا بإذن والمصالح جميعا يؤدون دورهم كما ينبغي فلا موالاة ولا معارضة ولا نفاق ولا تملق ولا رواتب وهمية ولا تفريغ من العمل الوظيفي وبقاء الراتب إلخ ما جعلناه بعد ذلك قانونا مباحا فيه كل شيء من الفساد الأخلاقي والوظيفي والتزوير لكل شيء إذا أراد المواطن أن يكون ابن فلان اليوم أو غدا يصبح ابن أسرة أخرى وأي تاريخ أحب أن يولد فيه في السنة عدة مرات أو يقتل والديه اليوم ويحييهما غدا حسب الحاجة لذلك .
هذه الوضعية بدأت مباشرة في يوليو 78 عندما استلم الجيش الحكم وانشغل نهائيا عن الإدارة بترتيب حكمه فوق الدولة وتنوع علاقته بالمواطنين من أنواع حركات العروبة والزنجية والإسلامية إلخ ذلك لولا أن الابتعاد بالشغل في هذا تدريجي شيئا فشيئا دون التدهور في ساعة واحدة إلى أن وصلنا إلى العشر الأخيرة من حكم معاوية أو بالضبط إلى سنة 92 ظهور الديمقراطية الفوضوية العسكرية.
هذه مرحلتنا من الحكم الإداري الأولى ذهبية والثانية فضية أما المرحلة الإدارية الثالثة التي تشبه أسوأ شكل للبرونزية في المرحلة الأخيرة من حكم معاوية فعندها انتهت الإدارة ووصل ذلك التدهور إلى النطاق العسكري والأمني المحصنين عادة ضد السياسة ، وأصبح كل شيء في السياسة ولا شيء إلا السياسة.
فالوزراء معينون من طرف السياسيين وخدمتهم طبقا لأغراض السياسيين وكذلك أصبح لمدير أمن الدولة تعيينه ولكل مهتم بالسياسة نصيب من التعيين.
فهذه الصورة الكالحة للإدارة في الوزارات ولا سيما المشرف منها على مصالح المواطنين وصل العمل بها وظيفيا وسياسيا إلى يوم 01/08/2019 بل تبعات ذلك ما زالت معمولا بها حتى اليوم.
انظر قضية المسابقات آخر عهد النظام السابق أعلن المختار ولد اجاي وزير الاقتصاد والمالية عن مئات الوظائف بالمسابقات لأول مرة منذ سنين ولكن لجنة المسابقات هي لجنة الحكم السابق ونتائج عملها كذلك فمن أراد أن يتحقق من تلك الظاهرة المشينة في الدنيا والآخرة فليأخذ لائحة الناجحين بالعدالة الطبيعية أي: في الكتابي وينظر بعد ذلك في التصفية الممنهجة المبنية في أغلبها على قواعد سابقاتها من السياسة والمادة والوساطة لتظهر هذه الأوصاف أخلاقيا في نتائج الشفهي وفي كل مادة تقريبا فسوف يرى أن العدالة الطبيعية يكشف عنها في الشفهي للحذر منها فالجميع يتمنى إعادة النظر في تلك النتائج في بداية هذا العهد الجديد الذي اختطفت عنه الوظائف قبل تسلمه للحكم .
هذه المرحلة الثالثة البادئة من آخر أيام معاوية والمنتهي جانب منها يوم 01/08/2019 كانت موازية لمرحلة رابعة أدارها رئيس الدولة المنصرف إدارة أوضح من سابقتها وإن اتفقتا في تقديم السياسيين في الوظائف بالشهادات وبلا شهادات إلخ.
إلا أن الحكم السابق القريب زاد المرحلة الثالثة بمرحلته الرابعة الخاصة به وهي أن لا وزارة أصلا ولا حياة أصلا في الدولة إلا بالاسم فقط فوزارة الداخلية المعنية بالأمن الداخلي ووجود السكينة والهدوء داخل جميع حدود الدولة والمسندة أصلا إلى الرئيس وحملها القانون لوزير الداخلية هذه المهمة وأمثالها من المهمات في كل وزارة لم يلتفت إلى قوانينها الرئيس المنصرف بل تصرف في الدولة تصرف كتيبة واحدة تولى هو قيادتها وتختص عن الكتائب الأخرى بأن رئيس الكتائب فوقه قواد دون قائد الأركان وبعد ذلك قائد الأركان.
أما كتيبة الدولة فلا قائد فوق رئيسها، ومصالحها جمعت ليتصرف فيها الرئيس كرجل من الدولة لا وارث معه .
فالوزارات والمؤسسات السياسية التي أحدثها الدستور والدستور نفسه كل ذلك رئاسة ما دون الرئيس له وهمية فإذا وجدت عرقلة شكلية من طرف الهيئة التشريعية فقد وجدت لها أغلبية ببغاوية في الأحزاب يكفيها الترحيب بها في الاجتماعات وذكرها أنها من أغلبية الرئيس وإذا وجدت عرقلة شكلية من طرف الهيئة القضائية فالرئيس هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء في الدولة وأي قاض حتى من القضاء الجالس إذا لم ينسجم مع أي وضع يريده الرئيس فمحكمة تيشيت أو أوجفت أو ولاتة هي موعده بعد العلم بموقفه مباشرة فينعقد المجلس لتحويله أو بمذكرة مؤقتة حتى أول انعقاد للمجلس.
ولذا فلا وزارة في العهد السابق تعمل ضمن قوانينها التي أسندت إليها في العهد المدني، وعليه فعلى الوزراء أن يتتبعوا صلاحياتهم في كل مصلحة دون الرئيس .
فكل وزارة بينها انفصال وانفصام كامل وتام بين قوانينها المنشئة لها وتسييرها الفعلي في العهد العسكري ولاسيما في عهد الرئيس المنصرف.
فعلى المواطنين أن يسألوا الإدارة الإقليمية عن علاقتهم الفعلية الحالية مع وزارة الداخلية ومناديب الصحة ومناديب التنمية الريفية إلخ .
فكثير من هذه المسميات حدثت في العهد العسكري لتجميع الاعتمادات المالية ليسهل نهبها من طرف تعيين رجل سياسي واحد في هذه الإدارات .
وهنا ربما يقول قارئ أنني أكتب وكأننا انتهينا من الإدارة العسكرية مع أن الذي استلم الحكم لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد هو من أعلى الرتب العسكرية وربما هو ثاني اثنين في الرتب العسكرية الموريتانية وقد صرح هو وصرح النواب المخلصون للعهد السابق أن حكمه سيكون امتدادا للحكم السابق ، إلا أنني أجيب على هذا التساؤل بجوابين:
الأول: فيهما جواب خاص، هو أنني أحمل الجهل المركب عن معرفة سيرة هذا الرئيس من اليوم إلى ما قبله من أفعاله إلا ما سمعت عنه من مقربين منه في العمل الماضي يثنون عليه خيرا بأنواع ما يحب الله لعباده من حسن الخلق وما يترتب على ذلك .
الثاني: فيهما جواب عام: وهو أن الله يتصرف في عباده تصرف المالك في ملكه ويقول في ذلك عن الإنسان أي انسان: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} ويقول أيضا عن عباده أن منهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، ونحن في التاريخ ننظر إلى دولة الأمويين حين انتزعت الأقلام والأفكار من ملوكها عمر ابن عبد العزيز فلعدالته ألحقته بالخلفاء الأربعة الراشدين وفي نفس الوقت تسمي اليزيد ابن معاوية: باليزيد الفويسق لقتله للعلماء .
فالرئيس الحالي أتمنى له كمسلم أن يجعله الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابي صهيب: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، بمعنى أن المعصية ليست له أصلا بخلق فإذا أراد الله لهذا الرئيس خيرا فليكن مثل عمر ابن عبد العزيز بين سلفه وإن اختار أن يكون مثل باقي الرؤساء العرب الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فإني أعيذه من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فالله يقول له {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون}.