في مقابلة له مع صحيفة "جون آفريك" بتاريخ التاسع والعشرين من يناير الماضي سأله الصحفي هل حقا ستترشح للرئاسة فأجابه: قالها الرئيس ولد عبد العزيز كان هذا أول تصريح لمحمد ولد الغزواني بهذا الشأن وهو التصريح الذي قطع الطريق على الكثير من التخمينات حول هوية مرشح النظام لاستحقاقات 2019.
من هنا كانت البداية شبه الرسمية لترشح محمد ولد الغزواني بعيدا عن تحليلات المراقبين وتسريبات المقربين من دوائر صنع القرار في البلاد، ما هو ملفت في هذا التصريح هو إعزاء أمر الترشح للرئيس ولد عبد العزيز مما يؤكد أنه ولو بطريقة غير رسمية هو صاحب القرار وليس غزواني المرشح الذي اقترح عليه الترشح حتى لا نقول فرض لأسباب يعلمها الاثنان.
يدرك جل المواطنين العلاقة التي تربط الجنرالين ويعتبرونهما قادة انقلاب أطاح بالرئيس المنتخب حكما معا البلاد وإن كانت الرئاسة في العشرية المنصرفة من نصيب أقواهم وأكثرهم جرأة على انتهاك الدستور.
عشنا عقدا من الزمن تحت حكم عزيز لكننا أيضا كنا محكومين بغزواني هو الآخر حيث أمضى هذه العشرية قائدا للقوات المسلحة بكل تشكيلاتها وهو منصب يعادل منصب الرئيس في بلد لم تتغير فيه السلطة مطلقا إلا بانقلاب عسكري. صحيح أن غزواني ظل بعيدا عن الواجهة بحكم منصبه لكن الشارع على اطلاع بالكثير من تدخلاته ووساطاته التي يقوم بها للمحسوبين عليه.
ومن التناقض أن بعض المقربين من الرجل حاولوا تقديمه في ثوب المخلص الذي نزل لينقذ البلاد والعباد مما ارتكبه رفيقه بحقهم في ظل العشرية المنتهية، لكن ذلك ليس إلا دعاية مخادعة ومبالغة في التفاؤل وموالاة مفرطة للرجل تتجاوز طموحاته وتحرف أهدافه الذي يعلن عنها هو شخصيا حيث صرح في أول خرجة له أنه يحترم كل الأنظمة السابقة وفي هذا إشارة واضحة على تبنيه لكل ما أنجز وارتكب في فترتي رفيقه وقد تعزز ذلك في خرجاته طوال الحملة التي كانت كل خطاباته فيها تبدأ بالثناء على نظام رفيقه وتنتهي كما بدأت.
كان من الملفت في حملة الرجل ظهور كتل سياسية كانت بالأمس القريب تعارض نظام عزيز وفجأة غيرت مسارها من أقصى اليسار لأقصى اليمين دون أي ضمانات بل ربما قرأت الساحة قراءة غير متأنية وأخذت موقفها إيجابا من غزواني وهو موقف يدعو للريبة والشك، ولو كان هؤلاء السياسيون يمثلون جماهير صلبة وثابتة لما تسرعوا في موقف كهذا لكنهم في أغلبهم لا يمثلون إلا أعدادا قليلة أو عائلات تقليدية عانت من المعارضة وحرمت من التعيين ومن تقسيم الكعكة طيلة عقد من الزمن، الغريب في هؤلاء كونهم ينافحون عن الرجل بلا هوادة ويحاولون وصمه برجل المرحلة وأحيانا بمنقذ البلد وفي كل خطاب للمرشح يكذبهم ويعلن ولاءه لرفيقه المنتهية ولايته وما إن ينتهي الخطاب حتى يبدأ هؤلاء في تفنيد ما ذكره مرشحهم بخصوص الولاء ووصفه بإكراهات الحملة.
بعد خمسة عشر يوما من الدعاية السياسية وضعت الحملة أوزارها وتوقف كل اللغط الذي صاحبها وطويت مرحلة وبدأت أخرى رئيس جديد تنتظر منه الأغلبية مواصلة النهج وينتظر منه مناصروه الجدد قطيعة مع هذا النهج بل محاسبة مسؤوليه.
فأي الفريقين سيسير الرئيس مع خياراته؟
أول التحدي كان تعيين الحكومة الذي يرى المحللون أنه سيحمل بوادر توجه الرجل وموقفه الفعلي من حكم رفيقه، خلال الفترة الفاصلة بين التنصيب وتعيين الحكومة سال حبر كثير وظهرت توقعات مختلفة ومتمايزة وبرزت أسماء معارضة وأخرى ليست سياسية كنماذج وضعها الداعمون الجدد للقطيعة مع الماضي.
بعد أسابيع أعلن عن الحكومة التي كان ثلثها تقريبا من الحكومة السابقة على رأسها أحد وزراء الرئيس السابق ولم تضم مطلقا أحد المحسوبين على الداعمين الجدد لكنها كذلك لم تضم مناضلين من الحزب الحاكم.
في الواقع كان من المنتظر توقف الداعمين الجدد عن دعم الرجل بعد أن خيب آمالهم مرات تلو الأخرى وخاصة في أكبر تحد منتظر وهو تعيين الحكومة لكن القوم يتحلون بالأمل ومصممين على ذلك في ما يبدو، تسابقوا إلى وضع تحد جديد وهو كيف ستسير هذه الحكومة شؤون البلاد فالرجل في نظرهم قطيعة مع النهج لكنه يعمل في صمت.
بدأت مواقعهم تنشر وكتابهم يتحدثون عن إعطاء صلاحيات غير مسبوقة للوزراء وأن الرئيس ينوي الإصلاح والقطيعة مع الماضي بذلك، ثم تابعوا وبكثافة حديثهم عن تصدي الرئيس لسحب رخص صيد كان سلفه قدمها هبة لبعض خلصائه من وزراء سابقين ومن المضحك أن الشرط الذي وضع لسحب هذه الرخص كان عدم استغلالها قبل 31 من شهر أغسطس أي بعد أشهر من منحها ومن المؤكد أنه لن يجد من يتوفر فيه هذا الشرط فلوزراء أهل جشع والعام عام جرادة.
لو تحلينا كشعب بنصف ما امتلكه هؤلاء من تمسك بالأمل لتجاوزنا مشاكل كثيرة فهؤلاء يعيشون على أمل يفنده الواقع مع بزوغ شمس كل يوم وما إن يحاول النظام حملهم على التوقف عن هذا الوهم بالتأكيد لهم على أن لا فرق بين النظامين ولا تصدع في علاقة الرجلين إلا دفنوا رؤوسهم في التراب رافضين ذلك ومكابرين متمسكين بأن ذلك موقف خلية نائمة في حكومة الرجل ولاؤها لسلفه، كما جرى مع الناطق باسم الحكومة في أولى خرجاته حين صرح باستمرار النهج ولم يدرك هؤلاء أن الناطق باسم الحكومة ليس إلا ناطقا يحمل رسائل الرئيس ويعبر عن مواقفه ولا يمكنه التقول عليه فما صرح به الرجل من استمرارية النهج كانت رسالة واضحة من غزواني لهؤلاء وإشارة لهم بفشل مسعاهم لكنهم اختاروا أن يواصلوا وهم القطيعة مع النهج في الوقت الذي اختار محمد ولد الغزواني مواصلة نهج سلفه واستمرار نظامه ويوما بعد يوم يتجلى ذلك ولا عزاء لمن يعارض شخصا ويتجاهل منظومة فساد محكمة تنخر جسم بلد وتعيق مسار تقدمه.