هذه الحلقة سوف تكون خاصة بوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي:
فبما أن أي مسلم يجب أن يعتقد أن له دارين للسكن: الدار الأولى دار الدنيا الموجود فيها حالا ولا يعرف أبدا متى يرحل عنها للسكن النهائي الأبدي في الدار الأخرى.
ونظرا إلى أن شؤون الدنيا كانت جميع الحلقات تناقشها مع الوزارات الأخرى فإن شؤون الدار الآخرة سوف نناقشها مع وزارة الشؤون الإسلامية ـ بمعنى أن الوزارات الأخرى نريدها أن تهتم بشؤون الموريتانيين في الدنيا ووزارة الشؤون الإسلامية نريدها أن تهتم بشؤون الموريتانيين في الآخرة.
فموريتانيا دولة مسلمة كلها ولله الحمد ولا شك أن شعبها بعد الاستقلال أكثر الساكن منه الآن في الآخرة من الساكن منه في الدنيا ولا شك أن الساكن منه في الآخرة الآن قد رأى أنه كان محتاجا لمن يهتم بشؤونه في الآخرة قبل أن يصل إليها.
وعليه فإننا في هذه الحلقة نطلب من وزارة الشؤون الإسلامية أن تقبل تحويل طلب الشعب من الوزارات الأخرى إرجاع موريتانيا كدولة إلى طلب الشعب من وزارة الشؤون الإسلامية إلى إرجاع موريتانيا إلى سلوك الصراط المستقيم المؤدي فعلا للوصول إلى الآخرة عن سلوك الطريق المستقيم.
فالله تبارك وتعالى ألزم كل فرد يطلق عليه إنسان أن يداوم في جميع عمره بأن يطلب من الله أن يهديه إلى سلوك الطريق المستقيم فمن لم يقبل الدعوة أصلا فمصيره جهنم لا يموت فيها ولا يحي ومن قبلها فهو مداوم على هذا الطلب الذي يطلب فيه التوفيق إلى سلوك الطريق المستقيم غير مضافة لأي أحد إلا إلى الله ولا توصف بأي وصف إلا بالاستقامة على ما أمرها الله به أن تعتقد أو تعمل به طبقا لأوامر الإسلام.
ومن المعلوم عند كل ناطق بالعربية أن الصراط ـ والطريق ـ والسبيل: هذه مسميات لمسمى واحد ولذا جاءت في القرآن مصحوبة بطلب الهداية إليها كلها أو يمنع الله الهداية إليها، فكلمة الطريق يقول تعالى {ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم}، والصراط يقول تعالى {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما} وأما السبيل فيقول تعالى {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} كل هذه العبارات جاءت قبلها كلمة الهداية وهي المطلوبة طلبا دائما للمسلم من الله في الصلاة أي الهداية إلى الصراط المستقيم غير صراط أو سبيل أو طريق المغضوب عليهم ولا الضالين، لأنه غير مستقيم.
إذاُ، هذه الدعوة للبحث عن الصراط المستقيم هي بالضبط الموجهة إلى وزارة الشؤون الإسلامية لتتولى شرحها للموريتانيين قبل ذهابهم إلى الآخرة أي لتحرر مناطها في الدين الإسلامي حتى توضحها للجميع وبعد ذلك تحث السير لجميع المواطنين لسلوكها قبل الوصول إلى يوم لا مرد له من الله ولا ملجأ كما قال تعالى {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير}.
وعليه فإن كل مثقف أو حتى أي عاقل يدرك أن البحث عن أي أصل في أي موضوع حتى يرد إلى أصله لا يمكن أن يكوّن أي حرج للباحث ليخرج بالنتيجة الصحيحة بعد البحث الصحيح المبني على أركان البحث لأن المطلوب هو جلب النصوص المهتمة بالموضوع وبمقارنتها بما هو واقع هل تنطبق عليه أم لا وبذلك يجب أن يكون الباحث مجردا عن حكم مسبق في الموضوع إلا حكما ثبت عنده من خلال بحثه، فأدوات البحث معروفة: منها السبر والتقسيم والاستقراء إلى آخره، أما موضوع البحث فسيكون جواب هذه الأسئلة:
ما هو الدين الإسلامي؟
وما هي خصوصياته؟
ومن يعنى؟
وما هي النتيجة الأخيرة لمعتنقه؟ .
وبما أنني لست نصف باحث ولا ثمنه فإني سوف أكون بوابا للباحثين أدلى قبلهم بدلوي الصغير الحجم رث الأحبال الماتحة ضعيف المعرفة الجامعة المانعة، ولكن بدءا أطلب من الباحثين أو حتى القارئ الكريم مهما كان ألا يترك هذا البحث المصيري للمسلم دنيا وأخرى ويذهب بقلمه إلى بواب الباحثين ليجعله حائطا قصيرا يتجاوز إليه بأي كلمة غير موضوعية في صلب هذا الموضوع المشترك للجميع.
فمن المعلوم أن أدق تعريف للدين الإسلامي وهو التعريف الجامع المانع الذي جاء في حديث جبريل عليه السلام الصحيح المشهور عند جميع المسلمين المنبثق من سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة عن أركان الدين حيث شرحها النبي صلى الله عليه وسلم أمام الجميع وصدقه جبريل على صحة هذا الشرح وأوضح الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذا الشرح أن هذا الجواب اشتمل على أركان الدين الإسلامي كلها وأن الدين الإسلامي منحصر فيها وذلك بقوله للحاضرين إن هذا الذي كان يسأله جبريل وأن قصده بالأسئلة أن يعلم للصحابة أركان الدين لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الأخير "إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
ومن المعلوم عند أهل اللغة العربية أن النكرة إذا أضيفت تعم الجميع المضاف إليه بمعنى أن الدين انحصر هنا للمسلمين بمعنى دين المسلمين محصور في تلك الأركان .
وعندما نعود أيضا إلى لفظ هذه الكلمة بهذه العبارة نجد أنها هي التي استعملها القرآن عندما أراد أن يشعر المسلمين بكمال دينهم في الساعة التي كمل فيها نزول الأحكام على النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. فدين هنا أيضا نكرة مضافة إلى ضمير المسلمين بمعنى أنه بعد تلك اللحظات لا تتجدد أي أوامر ولا أي نواهِ طارئة وإذا بحثنا عن أصلها فيما قبل هذه اللحظة سواء في القرآن أو في السنة فسوف لا نجد لها أصلا فتصير هذه الأوامر أو النواهي أو حتى الطقوس المنسوبة إلى الدين تكون خارجة عن الدين الإسلامي.
وبهذا الملخص أعلاه سوف نعود إلى حديث جبريل وأركان الدين الذي حصره فيها في ذلك الحديث الصحيح، وقبل مناقشتها نذكر ما يفهم من ألفاظها من الخصائص بأدوات البحث وهي السبر والتقسيم والاستقراء .
فسنجد أن أولها هو الإيمان: وشرحها النبي صلى الله عليه وسلم بضمير المفرد وهي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فمعلوم أن الإيمان الشامل للإيمان بالجميع محله القـلب إلا أن إظهار ذلك يضمنه إظهار ركن الإسلام الأول وهو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فهذا الركن حكم أن الركن القـلبي لابد من إظهاره بأمر ركن الإسلام الأول.
ولكن قضية إفراد هذا الاعتقاد لم يتغير فيه أي شيء وهو أنه يتعلق بكل نفس بمفردها، وهذا ينطبق على جميع أركان الإيمان الأخرى المتعلقة بالإيمان بالملائكة وما بعد ذلك في الحديث .
وعندما نعود إلى مراجعة هذا الإيمان بالشرح فسوف نحيل القارئ إلى الإيمان بالله على ما أخبر به المولى عز وجل في القرآن عن نفسه بعمومية ربوبيته وألوهيته للكون جميعا ـ واختصاصه المطلق في التصرف في هذا الكون طبقا لما جاء في القرآن بدءا من خلقه له وكيف خلقه وانتهاء بما سيصير إليه عند انتهاء الدنيا كما جاء موضحا في الآي المكي من القرآن . أما الإيمان بالملائكة فالإيمان بهم يكون طبقا لما جاء عنهم في القرآن أيضا من أي شيء خلقوا وعملهم الذي خصصه الله لهم جماعة أو فرادى إلى آخر ما ذكر بتوضيح واضح في الذكر الحكيم، أما الإيمان بكتب الله الذي أنزل فالإيمان بها يتلخص بأن نصوصها جاءت من عند الله وأنها مقدسة كتقديس القرآن إلا أن أحكام القرآن مهيمنة عليها لعدم وجود أي دين ساري المفعول غير الدين الإسلامي بعد وجوده ولا وجود لأي نص يطبق تحت شعار الدين إلا نصا قرآنيا أو حديثا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا يحتمل النفي. وأما الإيمان بالقدر خيره وشره فقد لخصت آية من القرآن كيف ذلك الإيمان فقد قال تعالى {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}. أما أركان الإسلام فهي أعمال ظاهرة إما قول وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وكل هذه الأعمال الفعلية طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة قبل وفاته ولم يطرأ عليها بعد وفاته وجوب ولا تحريم ولا ندب ولا كراهة ولا إباحة غير المباح أصلا. أما الركن الأخير وهو الإحسان فركنه الوحيد هو إخلاص كل عمل يطلق عليه أنه من أجل الدين الإسلامي وليس أصلا ولا فرعا لأي عبادة أخرى، وكل هذه العبادات مطلوب فيها أن تؤديها لله وكأنك تراه فإن لم تكن تراه ساعة صلاتك أو صومك فإنه هو يراك في هذه الحالات، وهكذا فإنه بالسبر والتقسيم نحصل على النتيجة التالية، فنقول إن الدين تقال لما يتقرب به إلى الله من نية أو قول أو فعل، وهذه الأشياء لا بد من آمر بها ولا آمر بها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي انفرد لأمته بالرسالة إما بنصوص القرآن أو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم لتبين هذا القرآن وما اشتمل عليه فهل يوجد نص من القرآن نزل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو هو قال حديثا بعد وفاته فالنتيجة لا دين ولا عبادة لله شرعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
ـ يتبع في نفس الموضوع -