كلمة الإصلاح ترى أن عليها أن تثير قضية الديمقراطية وحرية الإنسان من جديد بعد أن ذكرها بعض المفكرين الإسلاميين قائلا إنها هي والديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن تطويع الجميع ليكون الإسلام فيه أصل أصيل لكل هذه المسميات، أو أن يكون هو مصدرها عند المسلمين مع بقاء المصطلحات دون نية امتثال اوامر شرع الله في أحكامها، ونتيجة لهذه الفكرة التي استخرجها المفكرون الإسلاميون من تتبعهم لمفاهيم ودلالات المقاصد الشرعية، فإن كلمة الإصلاح ترى أن الإسلام يجمع أًصلا ما يلي:
أولا: خلقه لهذا الإنسان وتطور هذا الخلق كما ذكر القرآن إلى أن يعود إلى الله كما بدأه، بعد أن يحصي عليه كل فكره وقوله وفعله وتحركاته وسكناته إلى آخر نبضات قلبه، وكل هذا ليس لأي إنسان شرك فيه، لا في كيفية وقوعه ولا النظر في النتيجة بعد موته.
ثانيا: قد خاب وخسر كل مسلم مفكر أو بليد أو أي إنسان يعتنق دينا أو ملحدا أن يفكر في أن الله خلق هذا الإنسان وترك قوله وفعله سدى، دون اتباعه لتشريع قد أنزله الله عليه مفصلا في كتبه ، سواء كان في العلاقة بينه وبين الله أو بينه وبين أخيه الإنسان، وهو الذي سيحاسب عليه الإنسان كل الإنسان كما جاء ذلك في لفظ مطلق في القرآن يقول تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} إلى آخر الآية، وهذا التشريع الذي جاء مفصلا لأهل الدنيا مع كل رسول أرسله الله إلى هذه البشرية، كما قال تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى}، وكان آخر هذا التشريع هو ذلك التبيين المفصل في آخر رسالة جاءت إلى البشرية تؤكد أن الله لا يقبل من أي إنسان أي دين أو تشريع غير تشريع هذا الدين إلى يوم القيامة، وهذا التبيين المفصل في هذا القرآن لم يترك نافذة لأي مفكر أن ينقص فيه أو يزيد، لا بنصوص دين آخر ولا باجتهاد غير اجتهاد هذا الدين، بل لا بد أن يكون هذا التشريع خارجا من بين دفتي المصحف، أو ثبت ثبوتا قطعيا أو ظنيا عن النبي صلي الله عليه أنه شرع العمل به بأنواع التشريع المفصلة عن كلام النبي صلي الله عليه وسلم في قوله وفعله وتقريره إلى آخره.
وهذا التشريع الكامل المفصل في رسالة الإسلام محصن تحصينا كاملا من أن يدخل فيه أي فكر أو قول أو فعل من غير المسلم ولو بالقياس عليه دون نية الإسلام ولا بالأخذ منه ولا الاسترشاد به، لأن غير المسلم مهما كان لا يحمل معه النية المطلقة، بل فكره محيد تحييدا مطلقا عن ما يتعلق بالإنسان لا في خلقه ولا مصيره ولا هدايته ولا ضلالته: الجميع تحت رعاية الله وحده وأوامره، وعنده ملائكة تنفيذ لكل أمر يصدر منه لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن هنا نصل مباشرة إلي ما طرأ علي أهل الدنيا من المسميات مثل الديمقراطية والحرية والدستور والقوانين وتفريعاتها من جناية وجنحة ومخالفة إلى آخر كل هذه المسميات التي لا قيمة لها في ميزان الشرع إلا أن الألفاظ دون الفعل لا يعبأ بها الشرع إلا مع النية، فقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم}، فالتقوي هنا هو النية، وقوله صلي الله عليه وسلم: "سين بلال عند الله شين" هذا لفظ أرجع النبي صلي الله عليه وسلم معناه إلي نية بلال، بمعني أن أي مسلم يلفظ الديمقراطية أو الحرية وهو لا يعني بلفظيهما ما في التشريع الاسلامي من هذا المعني فقد خسر الدنيا والآخرة.
فكل رئيس أو قاض أو حاكم أو أي مسلم ولاه الله عن طريق تصرف أوامر أي إنسان آخر أو تولي المنصب في أمر من أمور المسلمين عادة أو عرفا بحسب الإسلام، فإن لم يراع في أي تصرف له سواء كان إصدار عقوبة أو إسداء منفعة أو غير ذلك من كل ما يصدر عنه، فإن لم يسند ذلك كله إلى ما أنزله الله في كتابه أو بينه الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه أو كان النص من هذين الوحيين غير موجود، وأفرغ هذا المسؤول وسعه ليهتدي إلى القواعد الشرعية المأخوذة من هذين الوحيين ليقيس عليها، وينسب هذا الصادر منه إلي الإسلام، فإن هذا الإنسان في نظر الإسلام ظالم: أي يعد من جملة الظالمين.
والظالمون علي العموم وردت فيهم آية تخرس كل معلق على فعل فيه ظلم ولم ينتقم الله من صاحبه مباشرة يقول تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} إلى آخر الآية، هذا التفصيل أعلاه يعني المسلمين، أما غير المسلمين سواء كان عملا غير صالح أو عملا صالحا دون نية إسلامية خالصة، فعندئذ يقال له في عمله هذا: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، فكم من ملك أو رئيس مسلم أو أي مسؤول يدعي الإسلام ويحكم في عمله بغير النصوص الإسلامية التي تركها الله مع الإنسان ليحكم بها بين الانسان، وحفظها من أي تحريف، فمن مات من هؤلاء من غير تحكيم لتلك النصوص في عباد الله، وأٌقبل على الفرائض الأخرى ظنا منه أو تغافلا عن عدم حكمه بتلك النصوص وظن أن بدلها يكفي عنها، أو أن تشريعا آخر اجتهاديا يمكن الحكم به دون نية مطابقة الحكم للإسلام، فإن كل ذلك سينطبق عليه قوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} ويقال له أما سمعت قوله تعالى: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} إلى آخر الآية، فأين وضعت قول الله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}، فإذا جاء مفكر وتفلسف في الموضوع ليدمج فيه ما لا نية امتثال فيه لله بما فيه نية مراعاة المقاصد الشرعية العامة فسيقال له: {قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}، والمفكر عندئذ بعيد عن مساءلة الحاكم أمام الله، اللهم إلا إذا أوتي به موبخا أمام المولي عز وجل كما قال تعالي: {آنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل}، ومن هذه الآية يتضح أن الإعراض عن بعض تحكيم ما أنزل الله هو إعراض عن جميع ما أنزل الله في القرآن للحكم به بين عباد الله، وهذا تشير له آية أخرى مثل قوله تعالى: {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا}.
ألا فليعلم من ابتلاه الله بسلطة في الدنيا وهو مسلم متحملا لأمانة الله له على عباده أنه سيسأل عن تلك الأمانة فيما بينه وبين الله، وماذا عمل من العدالة فيما بين العباد، فكل ما سوى تحكيم الشرع يقال له تحكيم الهوى، وهنا يقول القرآن: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن ابتع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} فكم من رئيس ينشر له البساط الأحمر ليمشي عليه ومنه إلى التحايا الكبرى الدنيوية، وبعد ذلك بقليل يذهب عنه اعتبار أهل الدنيا ويصل إلى نتيجة عمله وأخطرها عدم تحكيم كتاب الله على عباد الله فوق أرض الله، وربما ينشر له بعد ذلك بساط أحمر لكنه من جمر جهنم ليمشي عليه ويقال له عندئذ {ذق إنك أنت العزيز الكريم} وهذا إلى ما لا نهاية له.
فأخذ الديمقراطية مجردة سبيلا إلى الحكم في رقاب المسلمين والوصول عن طريقها مجردة عن نية اقتباس ما دلت عليه بعض مفرداتها وإسباغ ذلك بحكم الله مجسدا في نية امتثال أوامره عند عدم وجود النصوص الواضحة في ذلك كما قال معاذ بن جبل عند عدم وجود النصوص ولا آلو جهدا أي في طلب عدالة الله باجتهادي.
فمن أراد أن يطيب عيشه في الآخرة، ويستمر له اعتباره في الدنيا، فليبحث عن ذلك هنا في الدنيا بامتثال أمر الله حسب ما أعطاه الله في الدنيا من النفوذ تشريعا في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان غير راجع في تلك الحقوق إلى مجرد تقنين الإنسان لها.
وملخص هذا أن الله لم يأذن لهذا الإنسان أن يتخذ حكما من دونه في أي أمر من أمور المسلمين لا باسم الحرية ولا باسم الديمقراطية ولا أي اسم آخر إلا إذا كان مجرد اسم مجازي مصطلح على تسميته في الإسلام بهذا الاسم سواء كان ديمقراطية تقريبا للسامع أو تفهيما له، فقوله تعالى {أفغير الله ابتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} محكمة إلى يوم القيامة.