كلمة الإصلاح تابعت باهتمام أعمال اللجنة البرلمانية التي شكلت أخيرا في هذا العهد الجديد للبحث والتفتيش عن ما وقع في موريتانيا من الفساد الاقتصادي الذي نهبت به أموال هذا الشعب من طرف أعلى المسؤولين في هذه الدولة، وكأن الشعب الموريتاني لا يستحق إدارة وطنية عادلة شفافة من مسؤوليه تجعله يتمتع بخيراته نتيجة لما أعطاه الله تحت أرضه وفوقها من موارد الدنيا التي جعلها الله قيما لهذه الإنسانية تحتاج لها ما دامت أحياء، إلا أنه مما يؤسف له أن أكثر المسؤولين الموريتانيين ولاسيما في الفترة الأخيرة ابتداء من الديمقراطية العسكرية الفوضوية سنة 92، كلما يعين مسؤول على أي قطاع ينزع الله من قلبه الرأفة بهذا الشعب في الدنيا، وينزع منه الخوف من الله في الآخرة في إدارته لخيرات هذا الشعب التي جعلها الله ملكا مشاعا بينه كله وليس لأي شخص عمل فيها إلا أجرته بالمعروف، هذه الصورة الكالحة للمسؤولية التي أصبحت عادة مفروضة ومباحة من طرف الرؤساء المسؤولين وصلت في العشر الأخيرة إلى حد التصرف الطبيعي للمالك في ملكه، حتى وقع ما وقع مما يندى له جبين كل شريف عفيف متعفف الذي سيرى ويسمع موبقات خيانة الأمانة محروسة بالسلطة العمياء التي لا تنظر إلى قدميها وهما يطآن على ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من متاع الدنيا الحرام غير ملتفتين إلى قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
ومن هنا وبعد نشر هذه النتائج المشجعة على البحث في جميع مهلكات هذا الشعب من تصرف المسؤولين في إدارته فلا بد أن ينظر الغيورون ولو أخلاقا على سمعة هذا الشعب: فهل هذه اللجنة مع صرامتها والحرية الواسعة التي أعطيت لها اكتسحت جميع ما كان وما زال يعاني هذا الشعب من الإهانة في مقوماته الاقتصادية ومقوماته الذاتية الثقافية التي تميزه عن غيره وترفع من شأنه بين الأمم حتى تكون هذه النتيجة الاقتصادية بمثابة التخلية من جميع الإهانات قبل التحلية بجميع ما عند هذا الشعب من حلي يتحلى به يوم الزينة أمام العالم، لئلا يخرج على العالم وهو عريان عند عرض الأزياء الثقافية الخاصة بكل شعب وهو يستر عورته بثوب غيره.
فمن المعلوم عند الشعوب أن أكبر زينة تعرف بها الشعوب ويمكن لكل شعب أن يعبر عن نفسه أمام العالم بها هي لغته الخاصة به والتي تعين أصله وأرومته التي ينتسب إليها من غير نفاق ولا ادعاء.
وأرجو هنا السماح بكتابة هذه العبارة المعبرة عن الإدارة الموريتانية وإهانتها للموريتانيين: فنحن نسمي أنفسنا والعالم يعرفنا بلقب لا يجده الداخل في إدارتنا وهو أننا "مليون شاعر"، والحال أن إدارتنا في ذلك اللقب يمثلها مثلنا الشعبي في مسجد السوق الكبير (الفوك الفوك امسيد والتحت والتحت اباتيك) فنحن غالبيتنا قطعا يمثل مشاعرها مليون شاعر ويشهد بذلك شوارعها وثقاتها العامة وإذاعتها وتلفزيونها وكثرة مواقعها العربية إلى آخره، إلا أن الطامة الكبرى والجريمة المتلبس بها دائما وبتوقيع أعلى سلطة فينا هو هذا العار الذي يغطي إدارتنا بالسواد وبالإهانة المميتة لشعبنا لأنها تدخل على كل فرد منا بيته حيث عمد المسؤولون الرسميون إلى جعل لغتنا العربية التي يتمنى كل مسلم أن تكون هي لغته، لأنها هي التي قطعا خاطب الله بها جبريل كما هي ليبلغها جبريل الرسول صلي الله عليه وسلم ليبلغ بها الرسول صلي الله عليه وسلم أمته كما هي، والتي تبين لأهل الدنيا أصل خلق الله لكل شيء والعلوم الشاملة لكل شيء وما سيقع في الآخرة من كل شيء، ومع هذه القيمة المرتفعة لهذه اللغة المشفوعة بكتابة هذه العبارة في الدستور: المادة السادسة منه "اللغات الوطنية: العربية والبولارية والسوننكية والولفية، اللغة الرسمية هي العربية".
وعلى كل ضمير حي لم تمت اللغة الفرنسية جميع عروقه، ولم تجعل على قلبه غشاوة أن يتفطن لبلاغة المقنن لكتابة هذه العبارة باللغة العربية حيث جاء بالضمير المنفصل الرابط بين المسند والمسند إليه لتحقيق حصر الترسيم في هذه اللغة خاصة، وعلى المسؤولين هنا أن يستدعوا الخبراء القانونيين، وأعني بالمسؤولين النواب المحترمين الذي أصبحوا ولله الحمد ملجئا لكل مغلوب على أمره ومسلوب منه بالمسؤولية رزقه وكرامته ليطلبوا من الدستوريين تفسير: ما معنى وجود هذه العبارة في الدستور؟ وما تسمح به في الدول من استعمال غير اللغة الرسمية في الدوائر الرسمية في الدولة؟ فهل هذه المادة لا معنى لها في خصوصية استعمالها عن أي لغة أخرى؟ وهل مسؤولية رئيس الدولة عن حماية الدستور تشمل هذه المادة؟ فإذا كانت تشملها وجميع الدوائر الحكومية بما فيها مكتب ديوان الرئيس وجميع الوزراء إلا واحدا أظنه مستثني أو كهذا يجب (وزير الشؤون الإسلامية) وجميع الدوائر الأخرى لا يصدر منها بتوقيع رؤسائها وإظهارا للإمعان في التحدي للشعب هو وجود رأسيات الشكليات في كل وزارة بعناوين كبيرة لا يرى تحتها حيا للقراءة إلا اللغة الفرنسية ذاهبة من موريتاني إلى موريتاني عليه قانونا أن يخضع للدستور، فإذا أفتى القانونيون بأن وجود هذه المادة مكتوبة في الدستور هكذا تجعل استعمال غيرها في المعاملات الرسمية يكون جريمة دستورية فعلى رئاسة الجمعية الوطنية أن لا ترسل تقرير اللجنة لمحكمة العدل السامية أو المحاكم العادية حتى يشمل التقرير ملحقا فيه جميع أسماء المتلبسين بهذه الجريمة الدستورية.
وعندما يقفون أمام المحكمة لا بد أن تطلب اللغة العربية أن تتولي الدفاع عن نفسها أمام المحكمة لتكون في عريضة دعواها ما يلي:
الاسم: اللغة العربية بمعني شدة الإفصاح والإعراب أي تبيين المتكلم ماذا قال لغيره.
تاريخ الميلاد: يوم أن علم الله لآدم الأسماء كلها فكنت على رأس تلك الأسماء.
المهنة: أنا هي الواسطة بين خالق السماء والأرض وما يوحي به إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأني ربي على القوي الأمين فيقرأني القوي الأمين على رسول الله صلي الله عليه وسلم ودليلي على كل ما قلت لكم قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}.
إذا فما هي دعواك على هذه اللائحة التي حولتها إلينا اللجنة البرلمانية بعد التحقيق من ما صدر إليك من هؤلاء الرؤساء من الإهانة سواء رؤساء دولة أو الجمعية الوطنية أو المجلس الدستوري إلى آخر كل رئيس ووزير موريتاني وشركات وقيادات أركان ومدراء أمن إلي آخر المسؤولين؟
- جميع هؤلاء يعرفون أني الوحيدة المكتوبة في الدستور تحت المادة السادسة أنني هي اللغة الرسمية للدولة ولا معنى لهذا الترسيم إلا أن يكون كل ما يصدر من هيئة رسمية داخل هذه الإدارة مختوم بطابعها الرسمي يكون مكتوبا بي وغير مكتوب برطانة لها شعبها المسمى بها تسمية مزج لا يمكن فصله عنها، وتكون هذه الرطانة مفروضة من طرف السلطة على شعبي الذي يتكلمني غالبيته كلغة أم، وقد قاوم شعبي بكل قوة وحزم وعزم هذه اللغة وأهلها متمسكين بي وطاردون لهذه اللغة وأهلها، واستمرت هذه المقاومة حتى جاء الاستقلال وترأس الدولة أبناؤها ولادة وأعداء لغتها قصورا وجهالة فاستحقوا قول القائل:
وظلم ذوي القربى أشد غضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهندي
وأرجو أن تسمحوا لي هنا أن أروي موقف شرف وحيد قد وقفه نائب برلماني من إمارة إدوعيش في أول تصويت على اللغة الرسمية عند الاستقلال أتكون العربية أم الفرنسية فصوت هو وحده على ترسيمي في الدولة قائلا: (نعرف عني ما انروح اعشاي من ذي اللغة ولكنها لغة ديني وآبائي ووطني).
وباختصار فإني سوف أفصل لكم الدعوى على كل هؤلاء المشمولين فيها فجريمتهم معي ليست على شكل واحد:
- فالرؤساء جريمتهم مركبة لكونهم قادة السلطة التنفيذية في الدولة ومع ذلك مكتوب في الدستور أنهم حماة هذا الدستور وأنا في الدستور.
- أما لائحة المدعى عليهم الآخرين فغالبيتهم مثل الرؤساء من جهة أنهم يدعون الجهل بي مع أن هذا هو أقبح عذر وسأعود إليه بالكتابة بإذن الله في الحلقة القادمة إلا أن هذا الرئيس الحالي من المدعى عليهم أخذه الشعب في قضية جريمتي ويده "داخل ازكيبه" وقد شهد عليه بعض جوارحه حيث كل خطاباته تدل على عمق وفصاحة معرفته بي وذلك يجعل جريمته في شأني في إدارته وإدارة وزرائه تزيد سبق إصرار، فلو تنبهت اللجنة إلى هذا لأدرجت قضيتي في أول الجرائم التي انتهكها الرئيس السابق والرؤساء قبله، فإذا ادعى الرؤساء أن الخطابات يكتبها لهم المستشارون فإن لسان هذا الرئيس شهد عليه مباشرة بمعرفته الكاملة لمخارج الحروف وإعراب أواخر الكلم مع أن جهل هذين الموضوعين من اللغة الرسمية في الدستور تجعل الوظيفة اغتصابا على الشعب وليس استحقاقا كما هو واقع دائما.
وأختم هذه الحلقة بأن أكبر ضرر على المسلم خاصة هو جهله للعربية لأن وعد الصدق ذكره الله في القرآن عدة مرات، فمن لا يعرف الجزاء المعد لأهله فمعنى ذلك أنه لا يستحقه فقوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الآرائك متكؤون}
يتبع