كلمة الإصلاح تنبه المواطنين أن مصطلح الوحدة الوطنية مصطلح طارئ جديد على دولة موريتانيا وشعبها بعد أن اختطفت الانقلابات هذا الوطن، وذهبت به بعيدا عن الطريق المستقيم الذي عبدته له نخبة من المواطنين من كل لون ولغة التي خلقت موريتانيا وأنبتتها نباتا حسنا بالمساواة بينها كلها عدلا ومعاملة وتربية ومعيشة مشتركة على جميع الأصعدة.
فالجمهورية المدنية الأولي زرعها رجال من جميع الطيف الموريتاني أغنياء القلب عفيفي الأيدي مخلصين لهذا الشعب الذي وضعوا تحت تصرفه على التساوي ما تنتجه موريتانيا آنذاك أخلاقا وتربية واقتصادا وحياة اجتماعية وسياسية إلى آخره، فتكامل النمو تحت ظل وحدة وطنية لا تمييز فيها بين لون ولون ولا لغة ولغة، فالمسؤولون آنذاك قائلين لكل مواطن ما عند موريتانيا من الثقافة والخيرات ها هو بينكم وأمامكم فمن زرع شيئا فحصاده له، فمن تعلم وحصل على شهادة فيتقدم للعمل بها لا وساطة تمنعه أو تقدمه، فلا لجنة مسابقات لا ضمير لها، ومن اختار التنمية فثروتها موجودة وتنميته مقصودة، وثمرتها مكتسبة، ومن أراد الفلاحة فتربتها طيبة وما يصلحها موفور وموضوع تحت التصرف إلى آخره.
إلا أنه كان هناك إرث اجتماعي قبل الإسلام في جميع طبقات الساكنة بلغاتها وألوانها، فلم يتجرأ أي مصلح إسلامي على التنبيه على شروط الإسلام للعبودية ليعلم الجميع أن تلك الشروط لم تصل إلى موريتانيا وجاراتها من الدول فاستمر العمل بالإباحة عند المجتمع تحت المنع الواضح عند الإسلام.
فالله خلق أًصلا بعض الإنسانية ليكون حطبا لجهنم ولكن لا عن طريق عبوديته الانسان لهذا الانسان المخلوق للنار كما قال تعالي: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} إلي آخر الآية، بل الإنسان خلق مكرما قبل أن يختار بعضه لنفسه الإهانة الأخروية بسبب عمله، ولكن أوامر هذه الإهانة تصدر أوانها من الله فقط لم يعطها حقا لأي أحد على آخر.
والآن لنعود إلى موريتانيا بعد معرفة أن العبودية كانت تَعَدٍّ على الله ليقول إنها كانت في جزء بسيط من الناطقين بالعربية الملونين إلا أن أكثر الملونين كانوا أحرارا من التاريخ القديم مثل إخوانهم الناطقين مثلهم بالعربية وكان الجميع مختلطا قبائل متعارفة ومتضامنة بينها في السراء والضراء، وهكذا إلى زمن قريب جدا في أول الثمانينات عندما جاء المفرق للجماعات وهم أحياء، وبفعله المعروف عند الجميع استغني عن اسمه.
ولكن في السبعينات برز زعماء مواطنون قلبا وقالبا ناطقين بالعربية، ونبهوا وتابعوا على أن الرق الموجود في موريتانيا ليس إسلاميا فتجب إزالته مع بقاء الوحدة الوطنية لم يمسسها سوء، وفعلا انتبه الجميع لذلك بما فيها الدولة وأصدرت مرسوما بذلك التحريم.
وبقي الزعماء المنبهون زعماء هدف وضمير وشرف متمسكين بثقافتهم ومكانتهم التقليدية يمشون بين قبائلهم قادة مطمئنين، هؤلاء منهم من قضي نحبه رحمهم الله منهم : محمد بن الحيمر ومحمد الأمين بن أحمد ومنهم من ينتظر مثل الزعماء مسعود ولد بلخير واسقير ولد امبارك إلى آخره، أولئك الذين حافظوا على الوحدة الوطنية وما بدلوا تبديلا أطال الله بقاءهم وأعانهم، إلا أنه مع الأسف عندما انتبه البعض أن دعوى العبودية وآثارها – كما ألصق بها حتى ولو كانت حسم أمرها يمكن من تدارك قضيتها – سلعة مدرة للدخل في الداخل والخارج ومنشئة لزعامة طارئة لا طريق لها إلا هي ولو جرفت معها أعرق علاقة طيبة أهلية تراحمية في الدنيا والآخرة، فنفخ فيها المنتبه أخيرا من نزعات الشيطان فأصابت تلك النزعات كل من لم يحصن نفسه بسترها بالمروءة وحسن النية وصدق المبدأ وأصابت نزعاتها كل من هو خفيف فوق الأرض تكفيه أي ريح ولو ضعيفة لكي يهرع اتجاه الريح ولو كانت ريحا غير طيبة.
ومن ما يجب التنبيه عليه وهو أنه من الصدفة كذلك أن "المنتبه" للعمل على التفرقة للوحدة الوطنية قادها حتى فرق بين حياة المواطنين فبعضهم سمى حياته حياة هشة وشعبا هشا ومهمشا، ولم ينتبه الجميع أن الهشاشة والتهميش هما وصفان كاشفان للحكومة التي تعاملت بهشاشتها وتهميشها حتى أوصلتها هشاشتها إلى الخوف على الوحدة الوطنية، فبدلا من أن تجلس جلسة مطولة حتى تعرف حقيقة هذا الغول في نظرها الطارئ في هدفه الخيالي: البحث عن آثار العبودية.
ومن الغريب المؤثر أن هذا الطارئ "شبه الوحيد" استطاع أن يفرض على الحكومات الطارئة الهشة التي شغلها التحصيل من رأسها إلى جميع أعوانها عن الوقوف في وجه أصل هذه الدعاية وفصلها لشريحة من الناطقين بالعربية وسمتها "لحراطين"، وأدمجت في دعايتها باللون فقط كل من كان عهده أمس بالعبودية – وإن كانت ظالمة – ومن كان هو مالكا للعبيد والعبودية لا يعرفها أصلا دون آدم، حتى أصبح كل من يعين لما أعطاه من الثقافة وحسن التربية والعلق بالخير أينما كان معينا لأنه "حرطاني" بسبب دعاية "المنتبه" الأول هذا، وأصبح هذا كأنه شريحة مستقلة، فانظروا معي أيها الشعب الموريتاني هؤلاء الذين يحكمون الآن وزارة الداخلية الحاصلين على جميع أدوات التعيين العصاميين من سيرة ذاتية ثقافية وخلق عال ونزاهة يد ولسان ومثلهما أبناء الزحاف وبيجل إلى آخر كل من تسبق العبودية في مركزه الشرقي قبل أن تصل إلى هؤلاء، فمن أين جاء تعيينهم بسبب "لحراطين" حتى أصبح مع الأسف من سمات الدعائي هذا اللقب الذي أصبح من أجل الدعاية كل شريف خلقا وخلقا وثقافة يرضي بإطلاقه عليه ومن قبل كان لا يستطيع فارس مدجج بالسلاح أن يقال له "حرطاني" إلا في غيابه لأن منبته لا يوحي إلا بوصفه بأعالي القوم، فمثلا تعيين الوزير الأول الحالي وهو من قرية "امبلل" تقول الدعاية عين في المنصب لأنه "حرطاني"، فأين قرية "امبلل" الباسلة المحسوبة أًصلا من "خوالف" الشجعان الأمامية وجها لوجه لا يصلها التعيين إلا عن طريق الدعاية الطارئة (لحراطين) الآتية بنسب مزور على المنتسبين إليه.
فكم عينت الحكومة الأولى المدنية من إخواننا الزنوج الأفارقة ويطلق عليهم عبيدا بسبب معرفتهم وكفاءتهم من غير أن تعينهم بسبب وصفهم الاجتماعي مثل (كوليبالي) الموجود قبره دون مقبرة جاكيلي لأنه غير حر في نظر سكان قريته "جاكل".
وباختصار شديد فعلى الحكومة أن تعلم أن الهشة هي التي تقبل لأي فئة أن تتميز عن الأخرى في التعيين والمساعدة إلى آخره.
فالجاهلون من قلة التعليم كثر في جميع أبناء موريتانيا، فالبعض كان وما زال عازفا عن أي تعليم حكومي والبعض تعلم ولكن لم يساعده الحظ في الرزق عن طريق تعليمه، والبعض كان منميا وانتهت بالجفاف تنميته.
فالتعيين من حقه أن يكون من طرف أعمى إلا عن السيرة الحسنة ذات الكفاءة العالية والقلب واليد النزيهين، والمساعدة بجميع أنواعها تكون عن طريق ما وصفه الله وهو الفقر والمسكنة والعجز عن الإعالة بأي سبب.
فالجميع يعرف أن هذا موجود في الجميع ومن الآن فصاعدا لا يوصف أي مواطن إلا بالمواطنة كما فعل حكيم موريتانيا المختار بن داداه الذي سمي الولايات بالأرقام لينسب إليها شعبها لتختفي المسميات الخصوصية فتلك أسماء سميتموها أنتم وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان.
وإلى ملف آخر في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
محمدّ بن البار