كلمة الإصلاح توقفت في الحلقة الأولي من إصلاح التعليم عند ذكر "خيانة القرن" للشعب الموريتاني حيث كتبت عن تقديم عدة مثقفين يتنافسون على رئاسة جامعة نواكشوط تقدموا برسالتهم إلي رئيس الجمهورية لاختيار أحدهم، ولكن الرسالة مكتوبة على الشمال وبلغة لا علاقة لها بموريتانيا إلا علاقة استعمارية من أرذل الاستعمار وبلغة أصبحت في الأسفل من لغات العالم.
وكان النائب عبد السلام بن حرمه نبه مشكورا على ذلك، وكنا ننتظر أن الرئيس يرد على الرسالة إما بإحالتها إلى "مكروه" فرنسا عند المسلمين، فهي مكتوبة بلغته، أو ينتقم لموريتانيا من هؤلاء المتسابقين إن لم يأمر بتجريدهم من الجنسية الموريتانية وبحرمانهم من رئاسة الجامعة، ولكن خاب أملنا في الموضوع، فالرئيس اختار واحدا منهم مع تأسف غالبية الشعب.
فالدروس القليلة والشهادات المتدنية التي يتلقاها العسكريون في دراستهم وتؤول إليهم السلطة بما نعرف جميعا - ولو بالانتخابات ذات الحملة المشوهة للديمقراطية – متمسكون بإدارة موريتانيا بتلك الدراسة الدنيوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع الآخرة وإن ملأت البطن وسمعة الأذن في الدنيا.
وعلى كل حال نعود إلى صلب الموضوع وهو إصلاح التعليم مع أسفنا أن السلطات الحالية والأولي ومثقفينا لا يرجي أن يأتي منهم إصلاح: أهله لا يعرفون أنهم يجلسون فوق أرض موريتانيا شنقيط وسكانها المرابطون، وليست أرضا غرب الأطلس وشعبها الوندالويون.
وبكتابة هذه الحقيقة – بمرارة – لا بد أن نبين ما يجب أن يكون لا ما هو كائن من يوم قدوم العسكريين إلى الآن، ونرجو أن يكون الحالي هو آخر سلطتهم على الإدارة الموريتانية مع تمسكهم بعقيدتهم الإسلامية تمسكا يرضي عنهم فيه مولاهم دنيا وأخرى، وتمسكهم كذلك بعقيدتهم العسكرية تمسكا يكونون فيه: {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} إلى آخر الآية.
أما عمل لجنة الإصلاح الذي نتمنى أن يترأسها من يتيقن أن فساد التعليم في موريتانيا أشد وأدوم فسادا من فساد التسيير الاقتصادي لموريتانيا، وأن المتمسكين بأصول هذا الفساد والمضحين من أجل ذلك أشد تمسكا بفسادهم من تمسك السلطة الماضية وأعوانها من المنافقين المتملقين بفسادهم المالي، فالسلطة العسكرية الموريتانية علي طول مدتها جعلت التعليم في موريتانيا "كورة" يتبارى فيها المتفرنسون الموريتانيون من كل لون فيما بينهم، والشعب فيما بينه وبجميع ألوانه متمسك بثقافته العربية الإسلامية، وتكون النتيجة أن جميع أصحاب الشهادات المتفرنسين لا تربطهم بموريتانيا العربية الإسلامية إلا بطاقة هوية محمولة في الحقيبة أو الجيب، إلا ما أسند إليهم من الوظائف لينهبوا بها خيرات البلد يمينا وشمالا نهب من لا يخاف الله والدار الآخرة، ويستمر الغالبية من الشعب الموريتاني عباقرة في الثقافة العربية الإسلامية بجانب الثقافة العلمية العربية العالمية حصلوا عليها بكل الوسائل المتاحة، لم يجد صاحبها مكانا في منح ثقافة دولته ومدارسها لتحصيلها، فأعلى مؤسسة تعليمية حكومية هي التي قام هؤلاء أبناء الشعب العربي الإسلامي بكتابة رسالة بلغة الونداليين لرئيس الدولة ليختار منهم من يترأسها ــ فيا عدل الله في المخطئين انزل كما أمرك الله.
أما الشعب فهو الشعب الموريتاني كله المنفصل عن ثقافة إدارته المحلية بدل أن أقول الوطنية، فمن أن أراد أن يتلقى منه الشعب ما يدور في خلده فلا بد أن يكتب له بالعربية سواء كان موقعا أو محاضرة أو بيانا أو تعميما إلى آخر كل التعبير الخارجي وتبقي ثقافة المثقفين المتفرنسين لا مكان لها في الشارع ولا في التواصل الاجتماعي، بل بكتابة الوثائق المخرجة لأموال الدولة الملك العام إلى الملك الخاص.
أما الشعوب الأخرى التي لا لغة لها مكتوبة فتستعمل في تواصلها الاجتماعي لغة مستعمريها، أما الدول العربية فتتجنب إدارتها لغة المستعمر لأن الإدارة تعني السيادة، وتستعمل المستعمر في المعاملة خارج الوطن، حتى الجزائر التي مكث فيها الاستعمار أكثر من قرن أرجعت اللغة الفرنسية إلى رضاعة اصطناعية لا يلجأ إليها إلا عند فقدان الأم مباشرة مع أن برابرتها عندهم لغة أم أخرى وهم أكثر بكثير من جميع زنوجنا المسلمين كلهم، وتركت شعبها يرضع ثقافته من أمه المباشرة كما هو الفعل الصحيح كما نعلم، وكذلك الجزائر وتونس حتى أن التلاميذ غير الناطقين بالعربية لا تعلق لهم الإرشادات الإدارية في الجامعات إلا بالعربية فيلجأون إلي زملائهم العرب ليترجموا لهم الإرشادات، وكذلك تونس والمغرب، أما نحن فما زالت إدارتنا تراوح مكانها في مستنقع ثقافة المستعمر في الخمسينات.
وبناء على هذا التحليل والواقع المقيت المهين فعلي لجنة الإصلاح أن تعلم أنه وقع عدة إصلاحات أصحابها كأنهم في أثناء سكرهم فهم في ريبهم يترددون.
فأي عار وأي إهانة إدارة تقوم لجنتها في أول الثمانينات بفصل أبناء الوطن في الثقافة والدين وتجعل منهجين لأبنائها في وطن لا يبلغ سكانه 4 ملايين وكلهم مسلمون.
وبعد أن تخرج جميع الشباب العربي الموريتاني بشهاداته العلمية من الجامعات تأتي نفس إدارته العسكرية وتقوم بانقلاب عليه وتجعله كله في الشارع للخدمات الخاصة خارج العمل الحكومي ليحل محله منح مكتوب علي الشمال يعيد إجبارية لغة الونداليين التي لا تفهم لغة مفرداتها من الشارع لأنها ليست اللغة الأم، وتترك لغة الأم ولغة الإسلام ولغة أهل الجنة للآداب فقط، وتكون النتيجة لكل الشباب الوطني: إما شهادة عليا باللغة الفرنسية ولكن صاحبها أمي في معلوماته يحفظ النصوص كما هي ولكن الفوائد والمعاني والتطبيق لا بد له من مراجعة له في المراجع العليا الفرنسية وهو أمي في ذلك، وإما شهادة في الآداب لا يمكن العمل بها في إدارة فرنسية من مذكراتها الإدارية إلي أعلى عمل في الشركات الاقتصادية وغيرها.
فعلي لجنة الإصلاح أن تختار لهذا الإصلاح الجديد وطنيين لا مواطنين بالهوية فقط، ليقدموا منهجا طبقا لهوية الشعب الموريتاني علميا وفنيا وأدبيا ولا يتركون للغة الأجنبية إلا هامشا صغيرا كما يعد للضيف الزائر.
ويترجمون في نهاية وضع المنهج تفسير قوله تعالي: {أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} وقوله تعالي: {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.