كلمة الإصلاح ما زالت تؤكد أن أكبر ملف فساد في موريتانيا هو ملف الفساد الثقافي بتفرنس إدارة موريتانيا، تلك الجريمة المستمرة الخارقة حقا للدستور الموريتاني، وما على كل موريتاني وطني حقيقي أن يحز في نفسه هو استمرار هذه الجريمة أولا من طرف من ينص الدستور أنه حاميه وهو رئيس الجمهورية وديوانه وأعوانه من مستشارين ومكلفين بمهام، وجميع السلطة التنفيذية الكل وضعوا في صفات نعت الله بها بهائم الإنسان الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها هذه الأوصاف يوصف بها أغلب هؤلاء المسؤولين في شأن ملف الفساد الثقافي في موريتانيا.
وهنا أود أن أسمع هذه الكلمات عن اللغة العربية التي كتبها العلامة محمد محفوظ ولد المختار فال الشنقيطي عن ما بذله الأجداد المخلصين من جهد في سبيل المحافظة على لغة القرآن ولغة أهل الجنة ولغة الشناقطة حقا يقول العلامة في شرحه للمقصور والممدود: (وبعد فيسرني أن أقدم إلى سدنة كتاب الله العظيم وعشاق لغته الغالية هذا الأثر النفيس من آثار سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ورحماته عليهم أجمعين، هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا الغالي والنفيس فضربوا الأكباد وهجروا لذيذ الرقاد لصون هذه اللغة العظيمة لغة القرآن الكريم وحمايتها من الاندثار والأفول، فكان النتاج آثارا نفيسة تدل على رسوخ قدم وعلو كعب وسمو همة، فرحم الله هؤلاء الأعلام وأعلى مقامهم في الخالدين).
والذي يتيقن جميع الموريتانيين أن هذه الأوصاف المتقدمة التي اختتمت بذلك الدعاء المؤثر لا مطمع للسلطة التنفيذية لموريتانيا الحالية ولا الماضية في أي نصيب لا من الوصف ولا من الدعاء الخالد، بل أٌقرب إلى الذهن أن توصف السلطة التنفيذية هنا بأنها خلف تركت قرآنها واتبعت شهوات من لا يريدون أن تكون لهم أخلاق في الآخرة يكلمهم الله فيها بهذه اللغة التي شكى رسول الله صلي الله عليه وسلم قومه إلى ربه من هجران قرآنها فمن لم يعرف حقها فذلك أكبر هجر لقرآنها الذي جعلت وعاء له، ومع ذلك فالله يمن بها على كل عربي هي لغة أمه كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}.
وهذه الكلمات التي سطرها العلامة عن ما بذله الأجداد في الاستمساك بهذه اللغة هي وأصولها والتي كتبتها الآن في أعلى الصفحة فإني سوف أكتب في أسفل الورقة البيان الهزيل وطنيا وعزما وموضوعا الذي أصدرته الأحزاب 11 في آخر اجتماعهم، أصدروا بيانا مشتركا فيه نسخة مسجلة من أول يوم انقلاب على الحكم المدني الأول، تلك النسخة التي تمجد العربية بكلمات وتذكر أنها لغة ديننا، وهنا يتوقف أي تحرك في وجودها أو إدخالها في الحياة النشطة، والفضيحة الكبرى أنهم يتبعونه دائما بجملة أخرى تنسخه من أوله إلى آخره مع أنها لا معنى فيها فهي تقول في هذا البيان نفسه فقرته الثانية أن البيان الذي نشره حزب الكرامة بعنوان: "التعليم والإصلاح المرتقب" والذي شارك فيه ما يسمونه الحزب الحاكم وكذلك ما يسمونهم بعض الأحزاب القومية جاء في هذا البيان "أنه يؤكد على ضرورة الانفتاح على العالم بامتلاك لغاته الحية والقدرة على التواصل معه وذلك لضمان تكوين متوازن لأجيالنا".
ومن هنا ظهرت الأوصاف أعلاه للسلطة التنفيذية وهو عدم العقل والعمى والصمم فضرورة الانفتاح تقال لشيء كان مغلقا، فاللغة الهزيلة التي في آخر رمق لها والخبثاء أهلها هي التي كانت وما زالت تضع بأخمصيها الحافيين على لغة كلم الله بها جل جلاله أمة محمد صلي الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام ومنه مباشرة للنبي صلي الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}.
أين المنوه عنه بالانفتاح عليه؟ فالمطلوب الانفتاح عليه هو اللغة العربية المهجورة تماما من طرف السلطة التنفيذية، فأنا لا أشك في أن إدارة النواب سوف تكون أشد تفرنسا من غيرها وقد ظهر ذلك عندما قاموا بأبحاثهم في ملفات السلطة بالفرنسية حتى اضطروا إلى ترجمتها لأن التقارير ذاهبة إلى القضاء شبه المعرب في أحكامه إلا أن غالبية الشعب تطلب من النواب أن يستخرجوا ملف الفساد الثقافي المزمن كملف يجب النظر فيه أو يصدروا فيه قرارا يفسر كون الدستور في مادته السادسة التي تقول "اللغة الرسمية هي العربية"، ومع ذلك لا يكتب فيها في السلطتين التنفيذية والتشريعية إلا باللغة الفرنسية، وأكبر احتقار لهذا الشعب هو قيام رئيس المجلس الدستوري عند تدشين مقره الجديد بإلقاء كلمته في مكتب المجلس باللغة الفرنسية، والشعب كان يستمع له دائما وهو وزير الدفاع يلقي كلمته بالعربية الفصحى ولكنها الفضيحة على الشعب التي لا يستحي أي موظف ما من كشف عورة لسانه أمامه.
وبالرجوع إلي البيان الذي هو بمثابة حديث معاد كما وكيفا فلم تقل الأحزاب ما هو معد لديها من العمل إذا لم يستجب أي أحد لبيانهم بالتمسك بالعربية كما هي العادة فيما يتعلق بالتوصيات في قضايا العربية فماذا ستقوم به هذه الأحزاب من ردة الفعل غير المعهودة في هذه الحال؟
وباختصار في هذا الرقم من المقالات أن من يريد أن يتمسك بالعربية المهدورة حرمة احترامها فعليه أن يحضر لإصلاح التعليم بقوة وطنية خارقة، ويتمسك بوضع منهج للدراسة بالعربية وحدها من الروضة إلي الثانوية العامة، وتكون اللغة الفرنسية مجرد تعليم لغة للتعامل بها مع الأجانب في غير الرسميات، أما جميع المواد العلمية – فيزياء – كيمياء - رياضيات – علوم طبيعية – إلى آخره فيجب أن تكون باللغة العربية لتتفق مع البيئة والعادات والتقاليد إلى آخره من حياة المجتمع {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
وإلى مقال ثالث في الموضوع بإذن الله.