كلمة الإصلاح كانت قد شبهت الموقف غير المشرف للسلطتين التنفيذية والتشريعية الموريتانيتين بصدهم وتركهم لهذه الجريمة المستمرة - ألا وهي تفرنس الإدارة الموريتانية الذي أصبح فضيحة أمام الأجانب والموريتانيين العاتبين على ترك لغة أصلهم ودينهم - شبهت كلمة الإصلاح ذلك العمل المشين في حلقتها الماضية بما وصف به المولي عز وجل حالة من لا يريد هدايتهم فوصف قلوبهم بأنها غلف وأنه جعل على بصرهم غشاوة وجعل في آذانهم وقرا.
ومن هنا أقول إن هذا التشبيه للسلطتين منصب على تركهما التفرنس في الإدارة فقط من غير تغيير ووجه الشبه هو كما يلي:
فمعلوم أن القرآن خاطب جميع بني آدم بما هو واضح أمامهم يقول: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}، {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج}، ويلفت نظرهم إلى خلق السموات بغير عمد وإنزاله للماء من السماء وإخراج أنواع النبات من ذلك ويتحداهم بعد ذلك فيقول: {هذا خلق الله فـأروني ماذا خلق الذين من دونه}، ومع ذلك لا يستحون، فكذلك السلطات التنفيذية تعرف أن الفرنسية لغة قوم آخرين موجودين ومعروفين بإضافتها لهم وإضافتهم لها، ولهم حدودهم الخاصة بهم ودينهم الخاص وكل هذا بعيد من الموريتانيين فلهم لغتهم الخاصة بهم وهي اللغة التي بدأ النطق بها قبل وجود التاريخ وإلى الآن، ومساحة النطق بها تغطي أكثر من مساحات اللغة اللغات الأوربية كلها، وإشراك النطق بها بين المنتسبين إليها معناه أن الأمي في موريتانيا إذا نزل عند البدوي الأمي العماني في سلطنة عمان آخر الحدود العربية مع الفرس سوف يتفاهم معه دون أي ترجمان.
وأكبر من ذلك أنها اللغة التي اختارها الله عز وجل الذي بني السماء فوسع بناها وأفرش الأرض فنعم المهاد: انظر فوقك وتحت قدمك ترى صنع فاعل اختيار هذه اللغة لتكون حروفها حاملة لرسالة منه نطق بها الذي أنطق كل شيء لبيين للناس ما نزل إليهم وهي آخر رسالة من السماء إلى الأرض تبشر وتنذر البشرية بمآلها الأخير.
ومع ذلك السلطة التنفيذية كل يوم خميس والآن كل أربعاء تصدر من مشاريع القوانين بما فيها قانون النوع المفجر للأحوال الشخصية الإسلامية ذات النصوص الواضحة في التشريع الإسلامي – من داخلها – وتترك هذه السلطة إصدار مرسوم يحرم عل أي موريتاني أن يكتب بالحروف اللاتينية أي حرف موضوعه يخاطب الموريتانيين فقط لمصالحهم العامة.
وكذلك فإن السلطة التشريعية أعطاها الدستور حق التشريع ولم تقم هي أيضا بكتابة هذا التشريع الذي فيه رفعة الشعب الموريتاني والذي أًصله موجود في الدستور في المادة السادسة التي كتبت لإهانة اللغة العربية بدلا من ترسيمها بهذه المادة، فهل ظهر وجه الشبه بهذه الفقرات أعلاه؟.
وأصل إلى قضية تعريب الإدارة الموريتانية: فمعلوم أن اللغة هي شيء يعبر عن المنطوق والمكتوب به، والمعلومات أشياء مادية أخرى غير ملتحمة ولا موجودة داخل حروف أي لغة.
فمواد الكيمياء والفيزياء وقواعد الرياضيات إلى آخره هي أشياء خارج النطق باللغة بها، فإذا ذهب موريتاني إلى روضة أطفال أو الفصول الابتدائية فهو لا يحمل أبجديات اللغة الفرنسية ولا أي نطق لحروفها بينما إذا كانت أم الطفل عربية فهو يحمل تلقائيا كثيرا من الجمل والخطاب العربي بدون تعليم، وإذا كانت أمه موريتانية غير عربية وهي قليلة جدا فهو قطعا أيضا لا يعرف حرفا واحدا فرنسيا ولا جملة فرنسية وإنما يحمل لغة أمه وأقرب له تعلم لغة وطنه، فكان الأولى للعقلاء والمبصرين أن يصدروا مشاريع قوانين يلزمون به من كانت أمه موريتانية تعليم المسميات وأصلها ونتيجتها وخصائصها إلى آخره باللغة التي سوف تصلح لاستعمالها في دينه ويقرأ ويفهم بها كل المواضيع، فهذه اللغة تكون هي المقروءة في جميع مراحل التعليم من الروضة إلى الجامعة ولكن اللغة الأجنبية يمكن جعل أي منها في كل هذه المراحل أيضا ولكن كلغة مفهومة ومكتوبة أولا للتعامل بها مع الخارج وعدم الاحتياج لأي ترجمة لإيصال موضوع الناطق بتلك اللغة.
وإذا كانت الأم غير عربية فيكون تعليمها أيضا في جميع المراحل موحد لكل فئات الشعب الموريتاني توحيدا وطنيا ودينيا فيمكن لزملاء الدراسة المكاتبة بينهم بلغة الوطن إلى آخره من التوحيد الديني والوطني.
وأعود لأنبه الجميع أن الانقلابات في موريتانيا مع الأسف لم تقتصر على تبادل الأشخاص بقوة السلاح على الحكم فقط، بل قلبت موريتانيا رأسا على عقب فجعلت التعليم كورة بين الأقوياء فمع أن السلطة الأولى المدنية الرزينة كانت تسير بالتعريب لتختفي الفرنسية مع اختفاء الجيل الأول جعلها الانقلابيون "كورة" تسير مع اتجاه الرئيس حيث سار، فاللجنة العسكرية الأولى قسمت موريتانيا إلى نطق الأم، فالعربي إجبار عليه العربية في الدراسة النظامية وغيره مخير، وجاء عهد معاوية فبعد محاولة الانقلاب عليه أصدر أمرا بتعريب كل شيء وعندما أراد التصالح مع خصمه ومع العالم الخبيث من وراء خصمه أصدر أمرا بإصلاح 99، تلك المشؤومة التي أضاعت دراسة جيل كامل بالعربية وأرجع الجميع إلي عكس ما هو مطلوب، فدراسة العربية جعلها كلغة أدب فقط، وجعل الفرنسية دراستها كلغة علم، وهنا يقول جل جلاله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.
وأبين هنا لكل رئيس أو وزير أو أي مسؤول أن تعيين أي مسؤول لا يعني التصرف في مفاصل المسؤولية في الدولة غير المكتوب في القوانين صراحة بنصه الجامد، فمثلا رئيس الدولة لا يملك من التصرف في الدولة إلا ما هو مكتوب في الدستور تحت باب صلاحيات الرئيس إلى آخره، وهكذا لا ما ظنه الرئيس السابق بالاحتواء علي موريتانيا كما كيفا، فمن فعل ذلك أو ظنه أو نفذه فهو ظالم لهذا الشعب بالقوة المباشرة الظالمة والله لا يحبه كما يقول تعالى: {والله لا يحب الظالمين}، وسيظهر في الآخرة خسيستهم في قوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين}.
وبناء علي ذلك فإن أي شخص اختار أن يتعمق في دراسة اللغة الأجنبية وأتي بشهادات عالية فذلك يخص نفسه، فالذي يصلح منه لموريتانيا هي المعلومات التي سواء كانت في الاقتصاد أو الصحة أو علوم البر والبحر الأخرى فإذا كان لا يعرف توضيح أو كتابة معلوماته بلغة وطنه فهو جاهل ما دام في وطنه الجهل المركب وهو جهله أنه جاهل، فأولى له أن يشتغل في مكان شعب لغته التي تعلم بها، وقد كتبت من قبل مثالا لمثل ثقافته هؤلاء يفضحها: فيوما كان وزيرا من هؤلاء وكتب له خطابه بالحروف اللاتينية وذلك يوم عيد فلسطين وعندما أراد أن يعدد بطولة الفلسطينيين قال "أولا" وعندما أراد أن يقول "ثانيا" قرأها بالزاء فالتفت أحد الجالسين إلى ضابط شرطة وقال له "الاعتراف سيد الأدلة اقبض علي الوزير ليقدم للمحاكمة بالإقرار بالتلبس بالجريمة".
فمن اتكل على قوة مسؤوليته وخرق بها القانون ليهين هذا الشعب في وطنه فهو كمن يأخذ من تحت يد أعمى غداءه ليتركه جائعا بهذا العمل الخبيث.
ولكن أعلنها عالية وهي فضيحة المثقفين الحاملين للشهادات العربية أن عملهم في موضوع العمل في الإدارة يشبه ما وقع لـ"كابون" كان قادما من جهة يعرف أن لا طعام فيها فقيل له أنه أصبح فيها طعام فلم يلتفت أولا ليقينه أن لا طعام فيها ولكن عندما رأي الجميع يتسابق إلى تلك الجهة قال (ذا الي قيل الا اثرو حك ) فذهب يهرول وترك يقينه، فكذلك الناطقون بالعربية عندما رأوا أنه لا يسمع إلا رأي من يبلغ رغباته بالفرنسية تركوا العربية وأصبحوا يتخبطون بما لا يعرفون وأذكر أن تفسير هذا يوجد عند حزب " تواصل " فعندما تكون القاعة مكتظة بالجماهير وليس فيها أي أحد إلا ويسمع العربية أو يتقنها من أي لون أو شرعة، ولكن ختام المسك عندهم هو الترجمة إلى الفرنسية فقط ولا بد من ذلك ولم تنته تلك الترجمة إلا وكان المنصت لها هي المقاعد دون قاعد، ومع أني أرجو لهم أن يكونوا جميعا في الجنة فلا أعرف إذا اشترطوا ترجمة الأمر بدخول الجنة فمن يجدون للترجمة لأن الآخرة فيها لغة واحدة وهي العربية لغة أهل الجنة لا بمعني ترسيمها في الدستور الموريتاني يقول تعالى في شأن جميع أحكامه المنزلة: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}.
وإلى كلمة إصلاح رابعة أخرى إن شاء الله في إصلاح فساد الملف الثقافي (تعريب الإدارة الموريتانية).