على مدار الساعة

على هامش مهرجان المدن القديمة

13 ديسمبر, 2021 - 22:13
محمد بكاري سيسى

تحتشد مدينة وادان التاريخية بجمهور ثقافيّ عريض ومتنوّع بتنوّع مكوّنات الدوّلة الموريتانية اجتماعيًّا؛ احتفالا بالنّسخة العاشرة من مهرجان المدن القديمة.

 

ما من شك أن تراثَ كلِّ مجتمع أو عرق تحافظ "ذاكرتها الجماعية" من الضّياع بين الهوّيات الفرعية، وتلمّ شمل أعضائه مهما بَعدُت الشّقةُ بينهم وفرّقتهم الثقافات الفرعية والمذاهب الدّينيّة والفكريّة والسّياسيّة وغيرها من التّقاطعات؛ وهو بطبعه - أي التراث -منقسم إلى تراث مادّي مصنوع ومخطوط ومطبوع يبرز على مستوى الأشياء الملموسة.

 

وآخر معنوي صوري يتمظهر في البنية الاجتماعية ومضمونها القيَميّة والفكريّة والاجتماعيّة بالتالي يؤثّر على سلوك الأفراد وتصرّفاتهم وتصوّراتهم للعالم المحيط.

 

فلئن كان المصطلح يحيل دلالته إلى الماضي بيد أنّ وظيفته الاجتماعية لا تنحصر في نوستالجيا الماضي والحنين إليه واستدعائه كلّما ساءت الظروف الراهنة؛ وإنّما أيضا ربط الماضي بالحاضر بعد إزالة المتغيّرات التي تقع في الغالب الأعم في اختلاف الخصوصيّات التاريخية، وتثبيت الثّوابتّ الحاميةّ تميّز المجتمع عن غيره؛

 

وهذا مقتضى فكرة النّظام والتّقدم في إطار التّقسيم الثنّائي لعلم الاجتماع الذي قدّمه العالِم الاجتماعي الفرنسي أوكست كونت Auguste compte إذ قسّمه إلى علم الاجتماع السّاكن "Statique" وعلم الاجتماع الحَرَكيّ "dynamique" فالأوّل يكشف عن الشروط الدائمة لوجود المجتمع والأوضاع الملازمة له، بينما الآخر يفحص عن قوانين نموّ المجتمع وتطوّر هذه الأوضاع.

 

إذن، فالتّراث كما يقول المفكّر المصري المرحوم حسن حنفي: (مسؤولية تاريخيّة تتحمّلها الأجيال فتواصل تاريخها أو تتركها فتنقطع جذورها فتذوب في ثقافات مغايرة).

 

عودٌ على بدء، لقد ألِفنا تنظيم مهرجان المدن القديمة سنويا - استثناء الماضية بسبب الجائحة - بالتناوب بين المدن التاريخية في البلاد أو هكذا تُوصف الّتي هي "شنقيط" و"وادان" و"تيشيت" و"ولاته" فلربما هناك معايير لا نعرفها نحن تجعل هذه الأربعة تستبّد بصفة "القديمة" دون غيرها؛ غير أن للتّاريخ رأيًا مغايرًا ويَخبِر أنّ هنالك مدن أخرى تُجاري هذه في المنزلة التاريخية والحضارية مثل "كمبي صالح" عاصمة مملكة غانا القديمة التي لم يزل الباحثون يذكرون دروها التاريخي في الريّادة والمركزيّة بل عدّها البعض أكبر مدينة على الإطلاق في القارة الافريقية في حقبة ما، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن سبب تغييبها أو تغيّبها عن تصنيف المدن القديمة؛ هل لأسباب موضوعية؛ كأن تكون هذه الأربعة ما زالت معمورة ومسكونة بينما هي وغيرها أضحت مهجورة ومنقرضة إن صحّ التعبير؟ أم لأسباب أخرى مخفية عنّا؟

 

ومن جهة أخرى أوَليس في الاحتفال بهذه الأربعة فحسب - باعتبارها تمثّل ماضي هذا البلد العريق أو على الأقلّ ماضيه العمرانيّ والحضاريّ وهي كما هو معلوم غالبية قاطنيها تنتمي إلى مكوّن اجتماعي واحد من بين المكوّنات الاجتماعية المتعدّدة التي تشكّل نسيج المجتمع الموريتاني - إشارةً إلى أسبقية هذا المكوّن إلى استيطان الجغرافية الموريتانية؟