على مدار الساعة

المؤتمر الإفريقي.. سياقه الظرفي ومخرجاته الإصلاحية

19 فبراير, 2022 - 17:10
محمد بكاري سيسى

عصفت بالقارة السّمراء في الآونة الأخيرة موجةٌ انقلابية مستجدة متنامية ومتوتِّرة تَضاعف معها حجمُ التّهديد الأمني للمنطقة، بحيث سجلت 6 انقلابات عسكرية غضون الأشهر الـ18 الماضية، هذا فضلاً عن  خطر تفاقم المدّ الإرهابي في الأراضي الإفريقية، إذْ أودت العمليات الإرهابية وأعمال الشغب والعنف بحياة 883 شخصًا في القارة خلال ديسمبر الماضي،

 

فيما زاد عدد ضحايا العمليات الإرهابية والنزاعات الداخلية في القارة على 785 ضحية في يناير المنصرم، حسب تقارير مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" الشهرية.

 

في كنف هذا الجو المأساوي انعُقدت النسخةُ الثانية من (المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم) محاولةَ تخفيف حدّة هذه الأزمة الوجودية المتنامية.

 

واستمرت فعالياتها بين 08-10 من الشهر الجاري في العاصمة الموريتانية نواكشوط، برئاسة سماحة الشيخ عبد الله بن بيه؛ ورعاية فخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ ولد الغزواني، بحضرة كوكبة من أهل الذكر والفكر مِن مَن أُوتوا نصيبا من الحكمة من أبناء القارة.

 

"بذل السّلام للعالم" العنوان الذي حمله المؤتمر، وفي ضوئه قدّم المشاركون قراءات للوضع الإفريقي الراهن، تمخضت عن نظرة بانورامية لكافة أبعاد الأزمة يمكن تلخيصها في كلمة الشيخ عبد الله بن بيه: "إنّ للأزمات التي تعاني منها منطقتنا أبعادًا سياسية وتنموية واجتماعية وعليه فإن حلولها لا بد أن تكون شاملة".

 

وآليات تفكيك الخطاب المتطرف المؤجِّج للفكر الارهابي، قصدَ تمكين السلام في المنطقة، بحيث "الانتصار على الإرهاب يستلزم تقنية العقول من بذور التطرف الفكري" بتعبير فخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ ولد الغزواني.

 

ومقترحات إصلاحية لمستقبل مشرف وواعد للقارّة الافريقية اختتمت فعاليات المؤتمر بالإعلان عنها.

 

كما أضفوا على "السّلام" معانيه السّامية والمُثلية، منها كلمة وزير الأوقاف المصري د محمد مختار جمعة: "السلام هو البديل الحقيقي للحرب ولظلم الإنسان لأخيه الإنسان، سواء أكان ظلما مباشرا أم غير مباشر بقصد أو بغير قصد، فالسلام لا يعني فقط عدم المواجهة في الحروب التقليدية، السلام الإنساني الذي ننشده أوسع من ذلك بكثير، فاحتكار بعض الدول للدّواء مثلا في أزمة كورونا أو للغذاء ظلم فادح لمن يحتاج إليه".

 

ومركزيته – السلام - في الشريعة الإسلامية السمحة، من مظاهر هذه المركزية أن جعله الله تحية المسلم، وكذا نصُّ الحديث المقتبس منه عنوان المؤتمر "بذل السلام للعالم" وكما ضمّن خطاب العلامة بن بيه الافتتاحي للمؤتمر بعض جوانبها حيث ورد فيه: "فالمسلم الحق مطلوب منه أن يبذل السلام للعالم كله إنسانًا وحيوانًا وبيئة.

أن يكف يده عن الأذى، ولسانه عن نشر الفتن، وقلبه عن الكراهية، ففي الحديث الصحيح: (ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه)، وفي رواية (مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)، وهذه الرواية التي وردت فيها كلمة الناس هي صحيحة أيضاً، وهي تؤصل لمبدأ (عصمة الآدمي) كما يسميها الحنفية. فهذا هو التعريف النبوي للمسلم الحق والمؤمن الحق والمجاهد الحق، وهذا الواجب العيني على كل مسلم لا يحتاج إلى شروط ولا أسباب لأنه إما ترك أو عمل في النفس".

 

ومن المعلوم أن الغايات متعذرة التحقق دون الأخذ بوسائلها المتاحة؛ فكان الحوار أنجع وسيلة لتحقيق غاية السلام والسلم وبهذا المعنى ذكر فضيلة الشيخ بن بيه في الخطاب نفسه أن: "من أهم ما ينبغي أن نبرزه في هذا الملتقى هو الدعوة إلى إعادة الفاعلية لمبدإ الحوار والمصالحة.. بالحوار يُبحث عن المشتركات والحلول الوسط التي تضمن مصالح الجميع، وتدرء الحسم العنيف، وتبتكر الملاءمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة". أمّا المقترحات والتوصيات التي خرجت به المؤتمر فهي تقع في إحدى عشر توصية؛ منها:

- التأكيد على الحاجة إلى مواصلة البحث عن خطاب جديد مقنع ومقاربة متجددة تفتح الآفاق وتقترح الحلول،

- استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد من بلدان المؤتمر.

- إنشاء وتنظيم قوافل السلام، خاصة في البلاد التي تعاني الحروب الأهلية، وتتكون من الأئمة والوجهاء من مختلف العرقيات.

- ضرورة أن يصحب هذا الجهد الفكري جهد تنموي يعمل على مساعدة المتضررين وتشغيل العاطلين وتعزيز دور الدولة الوطنية.

- تأسيس منصة إلكترونية تفاعلية لمتابعة التوصيات والاقتراحات وبلورة الأفكار.

- تشجيع وتكثيف لقاء القيادات الدينية بغية إبراز أن الدين يبني الجسور بين الثقافات ويحقق الأمن والاستقرار.

- تكوين لجان تربوية لإعداد برامج تعليمية لمكافحة أفكار التطرف والغلو.

- عقد شراكات بين المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم والمؤسسات الدينية والجامعية الحكومية والخاصة الإقليمية والدولية لتفعيل ومتابعة وتنفيذ مضامين إعلان نواكشوط 2020م.

 

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتوجّه بالشكر والامتنان إلى منظّمي هذه المبادرة النبيلة على اختيار عاصمة دولتنا (نواكشوط) لملتقى الفكر السلمي، الأمر الذي يعكس قيمة ما تتمتع به الدولة الموريتانية من أمن واستقرار، ونرجو أن تظل مصّدرة لمبادئ السلم والسلام في المنطقة كما تصدّر غيرها ممّا ينفع الناس ويمكث في الأرض، كما نرجو من حكوماتنا الإفريقية أن تتبنى مخرجات هذا المؤتمر المبارك وتضعها حيّز التنفيذ قدر المستطاع وقدر ما تنسجم وخصوصيتها؛ تحقيقًا للمصلحة العامة التي هي (السّلام).