على مدار الساعة

غزواني رئيسا..

31 مايو, 2019 - 12:16
الشيخ الحسن البمباري

القصة: جلس موريتاني وياباني وأمريكي في مطعم صيني وبعد نقاش مطول اتفقوا على أكل وجبة إسبانية كي لا يكون هناك أي انحياز.

هل تسألون بأي لغة عقد هؤلاء الصفقة؟

الإجابة: بلغة المصالحة لا غير.

 

***

ولد الغزواني رئيسا... تعني أن التغير الذي كان مستحيلا من دولة الكبلة والشمال قد حدث فعلا، وأن رئيسا من الجنوب قد حكم موريتانيا، البعد الآخر رئيس دون انقلاب وأن هذا الرئيس من أهل (الشرك) بل ورجل من الزواية أيضا، أي بداية الدولة ذات التسبيح واللحية الدولة الأكثر قدرة على هضم المتناقضات وإلباسها لبوس مشروعية ما بكل الطرق الممكنة، ودولة المهادنة مع كل الأطراف إلا أن هناك معركة على أي رئيس قادم خوضها في جميع الأحوال فهل ولد الغزواني مستعد لتلك المواجهة؟

 

ظل الفساد العائق الأكبر في وجه تحقيق حلم الرفاه المنشود في المجتمع الموريتاني، الذي تجثم أرضه على أطنان الذهب ومليارات براميل النفط والغاز - حسب تقديرات الخبراء -، ومع ذلك ما زالت الغالبية العظمى من أربعة ملايين هم العدد الإجمالي – بتفاؤل - لهذا الشعب تعيش حالة لا مساواة خطيرة بسبب استشراء الفساد في كل مفاصل الجسم المؤسساتي للبلاد من المؤسسات الوطنية إلى تلك الأجنبية في إطار سرطان الشركات المتعددة الجنسيات وجه الرأسمالية المقيت، هذا الفساد انتشر دون استثناء منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولم يستثن منه خرم إبرة في البلاد.

 

تمايز الفساد من عهد لآخر، ففي فترة ما قبل ولد الطائع كان فسادا قبائليا الهدف منه شراء القبائل لضمان ولائها للدولة والسيطرة على مجالها الخاص، هذه المرحلة بالذات هي التي خلفت النمط السياسي الحالي الذي يتحكم فيه زعامات الخزانات الانتخابية وبغياب تام للوعي السياسي، نذكر جميعا القصص التي تردد دون التأكد من صدقيتها حول استفادة بعض قبائل شمال الشمال من مساعدات الشعب الموريتاني بالرغم من دخول تلك القبائل في حرب ضد موريتانيا أيام الصراع مع الصحراء الغربية - لا أعادها الله -، كذلك استفادة بعض القبائل من ملكية الدولة مما أنتج نظاما معقدا في تقسيم الأراضي في بعض مناطق البلاد راح ضحيته بعض السكان المحليين... الخ.

 

عهد الرئيس معاوية ولد الطايع كان زمن الفساد الشعبي، فساد تلخصه ظاهرة "فورنيسير" و"شبيكو" التين كانتا عمليات تبرير فواتير بالمليارات تذهب إلى جيوب أفراد وجهات دون أي وجه حق، في السنوات اللاحقة على تسارعها اتخذ الفساد شكلا أكثر مركزية وحكرية وتم احتكار الفساد في طبقة بعينا، وأصبح من الطرق السهلة لعقاب بعض رجالات البلاد أي يتم سد منافذ  الفساد التي كانت ممنوحة لهم، هذا النمط يعتقد البعض أنه حد من  الفساد إلا أن الواقع يقول العكس تماما فالفساد أصبح فقط فسادا بنيويا مؤسسا، أي انتهى عصر الفساد الشعبي يوم كان مفتش في الدولة قادر على إخراج ملايين الأوقية دون علم حتى رئيس المصلحة أو الأمين العام المشرف عليه.

 

فأصبح هذا النمط يصب في توجه فساد خصوصي يُختص به أفراد بعينهم، فالقطاع الإنشائي يتطور والأسواق تبنى والصفقات تعطى والملكية العامة تباع ولكن لن يعرف أحد لمن كل هذه الصفقات ولا تصب في جيب من؟، وعندما تنتبه العامة تجد أن رجال أعمال قد ولدوا ومؤسسات قد قامت وأراضي قد بيعت لمجهولين، هذا الفساد البنيوي هو بالذات الذي يخنق الاقتصاد وخاصة الموازنة العامة التي تصبح عالة على كاهل المواطن وما تبقى من السيادة.

 

قد يتساءل قارئ وأين رئاسة المرشح محمد ولد الغزواني من كل ذلك؟ دعونا نتفق أنه حتى المعارضة تعتبر فوز غزواني مسالة وقت فقط، وأن ازواي تاريخيا يميلون للمهادنة في معظم الأحيان، خاصة مع تجذر رمزية نزع السلاح الذي كان محتكرا للعرب، ولكن إن  أراد غزواني أن يكون رئيسا عليه الخروج من جبة سابقيه وذلك بخلق نمط جديد، هذا النمط قد يكون عماده الأهم محاولة تحريك ركود الفساد القائم وهي محاولة تتطلب وضع بعض أصدقاء الأمس في فوهة بركان تحريك فيل الفساد النائم.

 

فإن كان غزواني ليس مستعدا "ليشبه أخاه" عليه أن يقوم بعملية تجديد لطبقة "افرنيسرات" و"شبيكو" وهو ما سيتعارض حتما مع مصالح بعض الأصدقاء ولكن "الغزواني رئيسا" تعني أن مستوى ما من المحاسبة يجب أن يحدث ولو من خلال كبح جماح الفساد القائم بخلق طبقة رجال أعمال جديد بدفعة زائدة وإطلاق يدهم في منافسة غير شريفة وغير  متساوية لاستعادة زمام الأمور من نمط الفساد القديم إلى نمط فساد جديد قد لا يكون أفضل ضرورة من سابقه ولكنه قد يوسع مساحة الفساد لتضم فريقا جديدا عسى أن يبقى شيء ما لجماعة الهامش في المستقبل، طالما أن فكرة تطبيق القوانين الرادعة لا تبدو منطقية في العهدة الأولى للرجل على الأقل فمعظم من يحيط به حاليا كانوا هناك يوم استشرى الفساد السابق مع استثناءات طفيفة.

 

المسألة هنا لا تعنى بالتنظير بأي حال لنجاح المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولا أي مشرح قادم ولكن من المهم القول إن أي رئيس في حال نجح سيكون ملزما بخط طريقه الخاص، وتدمير بعض قلاع الأمان التي بنى سابقه وإلا فإنه حتى ولو كان ولد ببكر أو بيرام أو حتى ولد مولود أو كان حاميدو سيكون مجرد امتداد للمأمورية الثالثة، لأن من يحكم الدول الشخص القادر على إدارة ملف الفساد قبل أي ملف آخر، وإلا فإن الرجل الذي يوصف في مجتمعات الرئاسة برئيس الرئيس سيواصل حكمه، والمقترح هو هل يريد ولد الغزواني إذا نجح أن يكون رئيسا فعلا أم امتداد لرئيس ما؟

 

للعبرة:

أيها الرئيس القادم فكك الفساد تسلم ...