على مدار الساعة

للإصلاح كلمة توضح أمر المعبود، بوجوب إقامة الحدود

27 يناير, 2020 - 01:18
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح تشهد الجميع أنها تحمد الله على إنزاله هذا الكتاب، ولم يجعل له عوجا قيما، لينذر بأسا شديدا من لدنه.

 

كما تحمد الله علي إنزاله قوله تعالي: {والله أخرجكم من بطون أمهاتهم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} وقوله تعالي: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} وقوله تعالي: {أفمن هو قائم علي كل نفس بما كسبت}، كما أحمده علي أنه من آخر الآيات نزولا قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، وبناء علي هذه النصوص الواضحة كل في موضوعه، فإن كلمة الإصلاح ما كانت تظن أن هناك بقية من المسلمين تفرق بين وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود لتحقيق العدل بقوة الإسلام بين المسلمين، فهذه الشعائر كلها: الجميع يتفق على أنها شعائر أنزل الله وجوب إقامتها في كتابه نصا لا لبس فيه، فهي من محكمه لا يحتاج معناها إلي تأويل مؤول ولا إعمال فكر ولا مفاهيم لغوية ولا البحث عن دلالة تدل علي مضمونها، فهي نزلت كلها بصفة أمر إلهي واحد في ورودها، ومبينا لوجوب إقامتها، وبجانب هذا الأمر الوعيد الشديد على عدم تنفيذ هذا الأمر الواضح لتلك الإقامة، فقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} وقوله تعالي: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} لا يختلف عن قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}، كل هذه النصوص نزلت على النبي صلي الله عليه وسلم وبلغها كما هي من غير تعديل أو تعليل أو تعليق على إقامتها، حتى أن شروط إقامتها لم يتركها عز وجل لاجتهاد المجتهدين، فاشترط في القصاص عدم قبول الدية، واشترط في الزنا تعدد الشهود عليه حتى يصلوا إلى أربعة، أما تكييف نوع السرقة والمبلغ المسروق الذي تقطع عليه اليد فقد حدده النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ولم يتركه لاجتهاد المجتهدين أيضا، فهذه الحدود لوضوحها، ما كنت أظن أن أي مسلم يبيح لنفسه أن يتركها تأتي لربها يوم القيامة وقد تدخلت بفهمها المحدود في تعطيل مفعول آيات الله المحكمات تحت أي ظرف، فالمتأمل للعلاقة بين المولى عز وجل وبين عباده يجده هو فعل ما أراده الله منهم وأمرهم بتنفيذه، فإرادته لا تمر بإرادة أخرى مخلوقة سواء كانت لنبي مرسل أو ملك مقرب أو إنسان آخر أوهمه الشيطان أنه يملك إرادة أو فكرا تحت أي مسمى في الدنيا يبيح له التدخل لتعديل أوامر الله، فإرادة الله عندما اقتضت خلق هذا الإنسان ذكرت بداية خلق جسمه وتصويره له من طين، وأن خلق الحياة فيه كان بقوله تعالي: {كن}، وبعد ذلك أوضحت الآيات أنه كان في الجنة وهبط منها، وأوضحت الآيات تسلسل خلقه فوق الأرض، وحددت مدة وجوده فوقها، ورحيله عنها بعد ذلك، وأنه أعد له بعد هذه الدنيا سكنى في دار أخرى لا نهاية لرحمة ساكنها، ولا نهاية كذلك لمن يعذب من أولئك السكان الدائمين في العذاب، كما أوضحت الآيات أنه قبل هذا السكنى لا بد لكل واحد من المرحومين أو المعذبين قبل سكناه في مثواه الأخير أن يتقابل مع الله منفردا حتى يسأل عن كل شيء في حياته، فهذه المسطرة هكذا لا تدخل فيها لأي بشر، لا في تأويلها ولا في تعديلها إلى آخره، فهي إرادة من المولى عز وجل أبعدت عنها كل إرادة أخرى لعالم أو جاهل أو مفكر أو بليد إلى آخره، ومن هذه الإرادة الإلهية هو أمر الإنسان بعدم الاعتداء على نفسه أو اعتداء بعضه على بعض سواء بالقول أو الفعل، والنصوص المحكمة هنا كثيرة، ومنها قوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}.

 

وهذه الاعتداءات زيادة علي محاسبتها في الآخرة جاءت نصوص محكمة تنص على وجوب إقامة عقوبتها في الدنيا، فنصوص القصاص والقطع والجلد الأمر فيها واضح في القرآن والسنة بقولها وفعلها، ووجوب إقامتها ليست علة لأي شيء آخر كائنا ما كان، فإقامتها جزء من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبما أن الإسلام لا تعرف أوامره طريقا إلى الميوعة أو الفوضى فقد كلف المولي عز وجل كل قوة في الدنيا من المسلمين أعطاها قوة التمكين في الأرض بحيث تستطيع بقوتها تسيير العدالة بين المواطنين وإنصاف المظلوم من الظالم، فهذه القوة مأمورة في الدنيا بإقامة الحدود كوجوب إقامتها للصلاة، وينتظرها الجزاء والعقاب على ذلك، أي إقامة الحدود أو عدم إقامتها، وهذا طبعا بدون استشارة أي إنسان في الدنيا، فكما أن أي إنسان لا يمكن أن يقف في الآخرة دون عقاب كل من توفرت عنده أسباب إقامة الحدود ولم يقمها، فكذلك فإن تدخله في الدنيا برأي أو اجتهاد أو فكر أو سلبية يكون من باب رفض أوامر الله جل جلاله، سواء رفضه باحتيال أو فتوى أو خوفا من قوة أخرى لا تخاف الله أو تخافه على حرف، وأنا هنا أدرك أن النصوص الواضحة في الموضوع في قوله تعالي: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إلى آخر الآيات، قامت كثير من الأقلام على تحريفها عن ما يفهم منها، مع أن الله غير أسلوب الوصف تارة بالكفر وتارة بالظلم وتارة بالفسق، ولا يعقل أن يكون هذا موجه لنفس فعل واحد متشابه وفعل بنية واحدة، وأن المعني بها مع هذا التفنن في الوصف هي وقائع انتهي التكليف بها عند ورودها ونزولها على أهل دين آخر، كل ذلك تناوله اجتهاد المجتهدين في الدنيا ليحرفوه عن ما يفهم منه تبعا لأسلوب القرآن المتكرر في وضع أوامره، ووضع العقاب بجانبها على المخالف، والجميع يدرك أن أيام نزول آيات الحدود في القرآن لم يقل النبي صلي الله عليه وسلم ولا الصحابة معه أو بعده أن هذه الآيات لا تعني إلا أهل دين آخر، وعلى كل حال فقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} إلي آخره، ما هو الفرق بين ألفاظ هذه الآية وقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام} وكذلك قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}، إذا قلنا إن هذه الأوامر لاحقة لوجود حالة أخرى هي علة لها لا بد من وجودها في المجتمع قبل تنفيذ الحدود وهي العدل، والقيام علي مصالح الناس، فمن أين النص لذلك، وكيف يكيف هذا الفهم تمام وجود الحالة التي يجب انتظار تمامها لقيام حدود الله على عباد الله فوق أرض الله مع أن قيام حدود الله علي عباد الله هو من العدل، ومن هنا أعود لأنبه أن هذا المقال من كلمة الإصلاح أوحت به ضربات وقعت على القلب أثرت فيه جراء قراءته لتدوينات على صفحة أحد المفكرين على الساحة الموريتانية حالا، لا يوحي المفهوم من هذه التدوينة - إذا فهمت - إلا أن عدم تنفيذ حدود الله من طرف من مكن الله له في الأرض من المسلمين، أصبح عندهم ظهير يرد لهم عدم هذا التنفيذ إلى فكر ديني يوجد داخل الإسلام طبعا بفهم وتفسير أهل الدنيا قبل قيام الجميع أمام الله: المفكر، ومن مكن الله له في الأرض، والمظلومين المطالبين لمن جعل الله له قوة في التنفيذ بإنصاف المظلوم من الظالم طبقا لقوله تعالي: {إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}، وتوضيحا لما جاء في تلك التدوينات، لعرضها من جديد لينظر في محتواها فإني أعيد كتابتها كما جاءت علي الصفحة بالحرف في مقال من كلمة الإصلاح سيكون مواليا لهذا بإذن الله وسوف أكون منشرح الصدر إذا سمعت فهما أو تفسيرا مطابقا للنصوص الواردة في القرآن بشأن إقامة حدود الله من جهة ومفهوم هذه التدوينة، يكون أيضا مطابقا لشرع الله امتثالا لقوله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.

يتبع

محمدَ بن البار