على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تبدي فيها رأيها في حرية الإنسان (1 - 2)

21 فبراير, 2020 - 15:57
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

كلمة الإصلاح بعد أن أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي قضية حرية الإنسان كل إنسان سواء كان مسلما أو يعتنق أي دين أو ملحدا إلى آخره، فإني أود أن أدلي برأي في الموضوع.

 

وأبدأ بالحرية عند المسلم لأن المسلم هو الذي يعترف بالعجز الكامل لجميع ما يطلق عليه متعلقات الإنسان، ولذا أمر الله نبيه أن يقول - وذلك تعليما له هو ولأمته - : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}، فأين مكان الحرية هنا؟

 

وهناك قضية منطقية أستعملها هنا لتوضيح هذا الموضوع، والقضية تقول: كل مسلم يخاف الله بالقوة، وكل خائف غير حر، فتكون النتيجة: المسلم يعترف أنه غير حر في الدنيا، ونتيجة هذا تنطبق على كل إنسان مهما كان دينه أو لا دين له، لأن ابتداء وجود الإنسان فوق الأرض ومدته المحددة عليها وعدم معرفة انتهاء المدة وحتمية هذا الانتهاء، كل هذا يعرف الإنسان أنه غير حر فيه، وأنه كله يقع بالرغم منه ونتيجة لذلك فإني سأنفرد بالمسلم فقط الذي يعترف بقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون}.

 

فالإنسان المسلم يدرك أن الحرية إما أن تكون في الفكر أو القول أو الفعل أو أي تصرف يقع من الإنسان يمكن تحديده، فعجز الإنسان في القول يسمع المسلم فيه قوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وعلينا هنا أن نلاحظ صيغة الحصر في الآية، وأن ندرك أن من يحصى عليه قوله للمجازاة عليه فليس بحر، أما عمله أو دخوله في أي شأن – والشأن هنا نكرة – كل هذا هو الآخر مكتوب عليه لنشره أمامه للمجازاة عليه، يقول تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه}، فأي إنسان مسلم يتكلم بعقله في الحرية أو يحاول أن يجعلها مادة متميزة داخل الإنسان أو من حق الإنسان أن يطالب بها كحق له ثابت، فإن هذا الإنسان المسلم عليه أن يدرك أن هذا الانسان الذي يتكلم في حريته هو نفسه الإنسان موضوع القرآن كله بدءا من خلق أصله وبعد ذلك تحويل هذا الخلق إلى مادة أصلية أخرى ثم إنشاؤه خلقا آخر، وكل هذه الطوارئ والتطور بعيدا كل البعد عن حرية الإنسان، مع أنه نفسه الإنسان الذي يتكلم عن حرية نفسه وعن حقه فيها، بعد أن يصل إلى مرحلة القدرة على التكلم، ولو بدون أي سلطان على إثبات ما يقول، فعلينا نحن المسلمين أن نعرف أن هذا الإنسان عندما أراد الله خلقه ليمر بهذه الدنيا وتركه حتى يصل إلى سن مخاطبة العقل هو نفسه الإنسان الموجود في الآخرة إما في الجنة وإما في النار، فإذا كان في الجنة فتبدأ حريته المطلقة هناك، وهناك فقط، فهو حينئذ يتكلم قائلا: {الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء}، وإن كان من أهل النار فيقول المولى عنه عز وجل: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون}، وهذا معناه أنهم لم يكونوا أحرارا في عملهم، فالمعذبون عليه هي أعمالهم التي كانوا يظنون أنهم أحرارا في فعلها، فالحرية المطلقة لم تأت في القرآن إلا في تهديده تعالي للملحدين في قوله تعالى: {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} إلى قوله تعالى {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير}، هذه الحرية أعلاه هي التي بين الله والانسان، أما الحرية بين الإنسان والإنسان فلم تكن أيضا موجودة إلا بفعل التمرد، فإن كانت بين المسلمين وهم تحت سلطة إسلامية فقد حدد الله للمسلمين ما يفعلونه بالمعتدين سواء كان فردا أو قبيلة، فالقبيلة مجتمعة يقول الله فيها مخاطبا لولي الامر الذي مكن الله له في الأرض: {وإن طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حي تفيء إلى أمر الله} فليست الحرية هنا متروكة للقوي ليبسط يده على الضعيف، وإن كان المعتدي فردا فقد حدد الله في نصوصه عقوبة لكل فرد بذاته، فحرم قتل النفس، وهتك العرض، وسرقة المال وجعل لكل عقوبة محددة تردعه، فلو نفذت لنتج عن ذلك الحرية لكل فرد من اعتداء الإنسان الآخر، كما قال صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا.." إلى آخر الحديث، وحتى أن الله أوصل حرية الفرد الإنساني من اعتداء اخيه الانسان إلى داخل تفكير الإنسان بقوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا} وكذلك أن الإسلام لم يترك حرية للإنسان في أن يظلم نفسه في قوله تعالى {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}، ويكفي هنا في عدم الحرية سرده تعالي لمنع هذه الجوارح من أن تطلق لها حريتها لتتجاوز بها المنفعة بها يقول تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}.

 

ومن هنا نصل إلى الحرية التي هي ضد العبودية: هذه الحرية الواضع لها هو الله تعالى وليس الإنسان، فالإنسان لا يمكن أن يقدم لنفسه خصلة وهو نفسه غير موجود، فالله الخالق لهذا الإنسان لم يعطه من هذه الحياة إلا سنوات محدودة فيعود بعدها إلى العدم، وإذا فالله يقول إن الإنسان بعضه خلقه للتكريم وبعضه خلقه ليكون هو والحجارة حطبا لجهنم، يقول تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}، فأي إنسان بعد نزول هذه الآية يمكنه أن يقف ويقول: لا أٌقبل أن يكون الإنسان حطبا لجهنم مع الحجارة التي لا روح لها ولا تتألم، ولو قالها شخص وتعنت على قولها لا يستطيع أن يتعنت أنه سوف لا يضعف بعد شبابه ولا يموت بعد شيبته، فالخلق خلق الله من أراد أن يرفعه فلا راد لفضله، ومن أراد أن يذله فلا راد لعدله، ومع ذلك كله لم يأذن الله في عبودية أي إنسان لإنسان آخر إلا في استثناء محدد لظروف محدودة وهي ظروف تبليغ هذه العقيدة التي سوف يكون اعتناقها فيه السعادة الكاملة للبشرية، فمن امتنع عن اعتناقها وقاتل أولئك الذين يبلغونها ووقع أسيرا في ذلك القتال تسلب منه بعض حريته، وهو إعطاء الإذن لمن أسره أثناء القتال أن يعامله معاملة المملوك، وقد وضع الله لهذا النوع من الملك شروطا لا يجوز أن يتعداها المالك وذلك إلى جانب كثير من الأمر والدواعي لتحرير الإنسان من هذه العبودية مع أن المبدأ أًصلا في الإنسان هو الحرية من ملك الآخرين له وهي موضوع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

 

هذا نموذج فقط من الكلام على الحرية بلسان المسلمين، أما الحرية التي تقول الديمقراطية أنها جاءت بها إلى الإنسان بأفكار غربية، وعلى جميع الدول أن تأخذ بها مجسدة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، فإن الحلقة الثانية من كلمة الإصلاح سوف يكون عنوانها بإذن الله: الديمقراطية والحرية في نظر الإسلام.