الأخبار (نواكشوط) – دخل ملف كاتب المقال المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم محمد الشيخ ولد محمد ولد امخيطير مرحلة جديدة مع نقض المحكمة العليا في حكمها الصادر ظهر الثلاثاء 31 – 01 – 2017 لحكم محكمة الاستئناف بنواذيبو، وإعادة الملف لمحكمة الاستئناف في تشكلة مغايرة للتشكلة التي أصدرت الحكم المنقوض في شهر إبريل من العام 2016.
وأدى الملف الذي بدأ منذ الأيام الأولى للعام 2014 لتضارب درجات التقاضي في موريتانيا في الحكم فيه، حيث أصدرت المحكمة الجنائية في نواذيبو حكما فيه، وهو الحكم الذي نقضته محكمة الاستئناف عمليا من خلال تغييرها لتكييف التهمة من الزندقة إلى الردة، قبل أن تقوم المحكمة العليا بنقض حكم محكمة الاستئناف.
صحيفة "الأخبار إنفو" تتبعت في عددها تفاصيل هذه الملف، والمراحل التي مر بها، وكذا أسباب التضارب بين درجات التقاضي في موريتانيا، والذي يعود – في عمومه – للخلاف حول تكييف إساءة ولد امخيطير للنبي صلى الله عليه وسلم، وفقا للمادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني، والتي تتعلق بعض فقراتها بعقوبة الردة، وتمنح صاحبها حق الاستتابة، في حين تتعلق إحدى فقراتها بالزندقة، وتقضي بقتل الزنديق إذا لم يتب قبل القبض عليه.
بداية القضية
وتعود بداية الملف الذي حمل الرقم: 03 – 2014 (نواذيبو) إلى الأيام الأولى من العام 2014، حيث نشر الشاب محمد الشيخ ولد محمد ولد امخيطير مقالا أساء فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عبر موقع "أقلام حرة" الإلكتروني، قبل أن يقوم الموقع بسحب المقال والاعتذار عنه.
ومساء يوم الخميس 02 – 01 – 2014 قامت فرقة من الدرك الموريتاني بتوقيف ولد امخيطير في نواذيبو، ووجه له القضاء تهمة الزندقة بشكل رسمي قبل أن تتم محاكمته أمام محكمة الجنايات في نواذيبو في الأيام الأخيرة من العام 2014.
شكوى من الأئمة والعلماء
وتم اعتقال ولد امخيطير بناء على شكوى تقدم بها الإمام والشيخ محمد الإمام ولد عبد الباقي إمام جامع الرضوان في نواذيبو، ورئيس فرع الاتحاد الوطني لأئمة موريتانيا، وكذا فرع رابطة العلماء الموريتانيين في نواذيبو، وتقدم بها أمام النيابة العامة في نواذيبو، ولدى مفوضية الشرطة، وقيادة الدرك في المدينة.
وأكد ولد عبد الباقي في حديث مع صحيفة "الأخبار إنفو" أنه قرر التقدم بالشكوى بعد الاطلاع على المقال وما حمله من إساءة لكل مسلم، من خلال محاولة التطاول على مقام النبي صل الله عليه وسلم.
وحول كواليس تقدمه بالشكوى، قال ولد محمد الإمام إنه جاءه أحد الأئمة في المدينة ويسمى حماد ولد اخليفه حيث أكد له أن نشر مقال يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد المواقع الإلكترونية، مضيفا أن طلب منه التأكد من الموضوع أولا، لأنه لا يمكن التعليق على أمر لم يتأكد بعد، ليخرج ولد اخليفه – يقول ولد عبد الباقي – ويعود ومعه نص المقال.
وأردف ولد عبد الباقي بعد قراءتي له قررت التحرك فورا، وحررت الشكوى باسمي الشخصي، وباسم رابطة العلماء الموريتانيين، والاتحاد الوطني للأئمة في موريتانيا وقدمتها للنيابة العامة، وللأجهزة الأمنية، كما أجريت اتصالات بالسلطات الإدارية لإطلاعهم على خطورة الموضوع.
وأشار ولد عبد الباقي إلى أنه نظم لاحقا وقفة احتجاجية بمشاركة عدد من الأئمة وجماهير غفيرة من المصلين، وذلك للتنديد بالمقال، وتأكيد خطورة السكوت عليه بين المسلمين.
وأكد ولد عبد الباقي أنه أكد في الشكوى التي تقدم بها أن عقوبة المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم واضحة وصريحة في الشريعة الإسلامية، وهي القتل كفرا إن لم يتب، وحدا إن تاب.
وقال ولد عبد الباقي إن مجموعة الأئمة اتصلت بعد ذلك بإدارة شركة "اسنيم" حيث قامت الأخيرة بتجريد ولد امخيطير من كل وظائفه التي كان يشغلها في شركة تابعة لهذه الشركة.
بين الزندقة والردة
وخضع ملف ولد امخيطير منذ اعتقاله يوم 02 – 01 – 2014 لثلاث محاكمات، كانت الأولى أمام المحكمة الجنائية في نواذيبو في ديسمبر 2014، والثانية في إبريل 2016، أما الثالثة فكانت الثلاثاء 31 – 01 – 2017 أمام المحكمة العليا، قبل أن يعود الملف من جديد إلى محكمة الاستئناف بقرار من المحكمة العليا.
وتتم محاكمة ولد امخيطير بناء على المادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني، والمتضمن في الأمر القانوني رقم: 162 – 83 الصادر بتاريخ: 09 يوليو 1983 والتي تتشكل من عدة فقرات، ففقرتها الثانية – تتعلق بالردة – وتقول: "وكل مسلم ذكرا كان أو أنثى ارتد عن الإسلام صراحة، أو قال أو فعل ما يقتضي أو يتضمن ذلك، أو أنكر ما علم من الدين ضرورة، أو استهزأ بالله أو ملائكته أو كتبه أو أنبيائه يحبس ثلاثة أيام، يستتاب أثناءها، فإن لم يتب حكم عليه بالقتل كفرا وآل ماله إلى بيت مال المسلمين، وإن تاب قبل تنفيذ الحكم عليه رفعت قضيته بواسطة النيابة العامة إلى المحكمة العليا.
وبتحقق هذه الأخيرة من صدق التوبة تقرر بواسطة قرار سقوط الحد عنه وإعادة ماله إليه، وفي جميع الحالات التي يدرأ فيه الحد عن المتهم بالردة يمكن الحكم عليه بالعقوبات التعزيرية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة".
أما فقرتها الثالثة فتقول: "وكل شخص يظهر الإسلام ويسر الكفر يعتبر زنديقا يعاقب بالقتل متى عثر عليه بدون استتابة ولا تقبل توبته إلا إذا أعلنها قبل الاطلاع على زندقته".
وبناء على فقرة الزندقة أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها بإعدام كاتب المقال المسيء محمد الشيخ ولد محمد ولد امخيطير يوم الأربعاء 24 – 12 – 2014 بعد قرابة عام من اعتقاله.
وفي يوم 21 – 04 – 2016 أصدرت الغرفة الجزائية في محكمة الاستئناف في نواذيبو حكمها المتعلق بكاتب المقال المسيء، وحمل الرقم: 34/2016، وقد أعادت المحكمة تكييف التهمة من الزندقة التي كانت لدى المحكمة الجنائية الابتدائية، إلى الردة، واعتمدت في ذلك الفقرة الثانية من المادة: 306 من القانون الجنائي.
وبناء على هذا التكييف أحالت المحكمة الملف إلى المحكمة العليا للتأكد من توبة المتهم، واتخاذ قرار بذلك كما هو منصوص في الفقرة السابقة.
وكانت نهاية هذا المسار مع المحكمة العليا – بعد تأجيل الحكم مرتين – حيث قضت ظهر الثلاثاء 31 يناير بنقض حكم محكمة الاستئناف، وإعادة الملف لها في تشكلة مغايرة.
احتجاجات وفتاوى
وخلال العاميين الماضيين حافظت الجماهير الموريتانية على الاحتجاج للمطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء، وخصوصا أثناء فترات محاكمته، حيث واكبت الجماهير جلسات محاكمته بتجمعات كبيرة قرب المحكمة التي يمثل أمامها، وفي مناطق أخرى من نواكشوط، ومن المدن الداخلية.
كما استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إحدى المسيرات المطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء، وأكد لهم تطبيق الشريعة فيه.
وقد أصدر عدد من كبار العلماء الموريتانيين فتاوى في القضية أكدوا خلالها وجوب قتل المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يستتاب، ومن بين هؤلاء رئيس مركز تكوين العلماء الشيخ محمد الحسن ولد الددو، وشيخ محظرة النباغية الشيخ اباه ولد عبد الله، والشيخ محمد ولد سيد يحي، والشيخ محمدن ولد المختار الحسن، وعدد كبير من العلماء والأئمة المنضوين في "منتدى العلماء والأئمة لنصرة نبي الأمة صلى الله عليه وسلم".
كما نظم المنتدى العديد من الأنشطة المناصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، إضافة لأنشطة للتعريف بسنته صلى الله عليه وسلم.
وعرفت الأشهر الأخيرة – مع وصول الملف للمحكمة العليا – تزايد المبادرات الداعية للاحتجاج والمطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء.
حديث عن التخفيف
وتأتي التطورات الأخيرة في ملف كاتب المقال المسيء في ظل أحاديث متعددة لمسؤولين موريتانيين عن سعيهم لتخفيف الحكم عليه استجابة لضغوط من دول ومنظمات غربية، ومن بين المسؤولين الذي أكدوا ذلك الوزير الأول الموريتاني يحي ولد حدمين.
فقد أكد ولد حدمين لعدد من الفعاليات الشبابية نية الحكومة إطلاق سراح ولد امخيطير، ودعا هذه الفعاليات لتحضير الرأي العام لذلك، وذلك أثناء لقاءات جمعته بهم في مباني الوزارة الأولى بنواكشوط.
وواكب ممثلون عن سفارات غربية في نواكشوط الجلسات الأولى للمحكمة العليا حول ملف كاتب المقال المسيء، قبل أن يتغيبوا عن الجلسة التي صدر فيها الحكم بإعادة الملف لمحكمة الاستئناف لإصدار حكم جديد فيه.
نص المادة: 306 من القانون الجنائي الموريتاني
"كل من ارتكب فعلا مخلا بالحياء والقيم الإنسانية أو انتهك حرمة من حرمات الله أو ساعد على ذلك، ولم يكن هذا الفعل داخلا في جرائم الحدود والقصاص أو الدية يعاقب تعزيزا بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنتين وبغرامة من 5000 أوقية إلى 60000 أوقية.
وكل مسلم ذكرا كان أو أنثى ارتد عن الإسلام صراحة، أو قال أو فعل ما يقتضي أو يتضمن ذلك، أو أنكر ما علم من الدين ضرورة، أو استهزأ بالله أو ملائكته أو كتبه أو أنبيائه يحبس ثلاثة أيام، يستتاب أثناءها، فإن لم يتب حكم عليه بالقتل كفرا وآل ماله إلى بيت مال المسلمين، وإن تاب قبل تنفيذ الحكم عليه رفعت قضيته بواسطة النيابة العامة إلى المحكمة العليا.
وبتحقق هذه الأخيرة من صدق التوبة تقرر بواسطة قرار سقوط الحد عنه وإعادة ماله إليه، وفي جميع الحالات التي يدرأ فيه الحد عن المتهم بالردة يمكن الحكم عليه بالعقوبات التعزيرية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة.
وكل شخص يظهر الإسلام ويسر الكفر يعتبر زنديقا يعاقب بالقتل متى عثر عليه بدون استتابة ولا تقبل توبته إلا إذا أعلنها قبل الاطلاع على زندقته، وكل مسلم مكلف امتنع من أداء الصلاة مع الاعتراف بوجوبها يؤمر بها وينتظر إلى آخر ركعة من الضروري، فإن تمادى في الامتناع قتل حدا، وإن كان منكرا وجوبا قتل كفرا، ولا يفعل في تجهيزه ودفنه ما يفعل في موتى المسلمين، ويكون ماله لبيت مال المسلمين، ولا تثبت هذه الجريمة إلا بالإقرار".
نص حكم المحكمة العليا حول ملف ولد امخيطير
الجمهورية الإسلامية الموريتانية - شرف، إخاء، عدل
المحكمة العليا
الغرفة الجزائية
كتابة الضبط
الملف رقم: 03/2014 (نواذيبو)
كتابة الضبط
الملف رقم: 03/2014 (نواذيبو)
الطاعن: المتهم محمد الشيخ ولد محمد ولد امخيطير
تمثله الأستاذة فاطمة امباي
والأطراف المدنية يمثلها الأستاذ محمد يسلم ولد عبد الدايم
وبعض هيئات المجتمع المدني الإسلامي يمثلها الأستاذ محمد الأمين ولد خيري
المطعون ضده: القرار رقم : 34/2016
رقم القرار: 01/2017 بتاريخ 31/01/2017
إفادة بمنطوق قرار (جلسة علنية)
نحن الأستاذ/ السالك ولد سيدي محمد، كاتب الضبط الأول بالغرفة الجزائية بالمحكمة العليا وبعد الاطلاع على سجل الجلسات العلنية للغرفة المذكورة.
نفيد بما يلي:
أن الملف رقم: 03/2014 (نواذيبو) قد صدر فيه القرار رقم: 01/2017 بتاريخ 31/ 01/2017 عن الجلسة العلنية للغرفة الجزائية بالمحكمة العليا الآتي منطوقه:
"قررت الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا نقض القرار رقم 34/2016 بتاريخ 21/04/2016 الصادر عن الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف في نواذيبو في تشكيلتها الجنائية وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف في تشكيلتها الجنائية مشكلة تشكيلة مغايرة لتلافي ما أخلت به سابقتها".
نواكشوط بتاريخ: 31/01/2017
كاتب الضبط الأول