على مدار الساعة

هل يتحقق التغيير المنشود مع برنامج الوزير الأول الجديد؟

8 سبتمبر, 2024 - 15:33
محمد يحيى ولد باب أحمد

أعرف شخصيا سيادة الوزير الأول، ولا أشكك مطلقا في قدرته على التعبير عن ما يريد قوله، وقد تابعت باهتمام بالغ خطابه أمام البرلمان؛ وكان في مجمله خطابا متسقا وجميلا ويلامس في كثير من فقراته شغاف قلوب ومجالات اهتمامات الموريتانيين، وإذ أتمنى من كل قلبي أن ينجح الوزير الأول في تنفيذ هذا البرنامج، فإن خبرتي في الواقع العملي لإدارتنا، ومؤسساتنا السياسية والتاريخ المشهود لطبقتنا السياسية، كل ذلك يفرض علينا طرح التساؤلات الملحة التالية:

 

أولا: هل سيحظى الوزير الأول الحالي في ضوء التجاذبات التي ظل طرفا فيها ضد نافذين آخرين خلال نظام العشرية والنظام الحالي، هل سيحظى، بما يكفي من الوقت لتنفيذ هذا البرنامج؟

 

ثانيا: هل يملك فعلا من الوسائل والتمكين ما يخوله تحقيق تلك الأهداف؟

 

ثالثا: هل سيستمر فعلا، بعد فترة التأقلم، ومرحلة إقناع الآخرين بأهليته للوظيفة الجديدة، هل سيستمر فعلا في امتلاك نفس الإرادة والحماس الباديين في هذا الخطاب من أجل إحداث التغيير المنشود؟

 

رابعا: هل مع توفر كل تلك الشروط الواردة في التساؤلات السابقة سينجح فعليا في قهر لوبيات الفساد المتمترسة بكل قوة وتجذر في أعماق كل مؤسساتنا الإدارية والسياسية والعسكرية، وحتى في مؤسستنا الاجتماعية والدولة العميقة نفسها، وهي العوائق الفعلية التي نجحت حتى الآن في مواجهة أي مشروع إصلاحي في البلد مهما كانت جدية المبشرين به والقائمين على تنفيذه؟

 

إنني لا أشكك ههنا – طبعا - في حسن النية لدى الوزير الأول، في تنفيذ هذا البرنامج، فهو أول المستفيدين من تنفيذه، لأنه المسؤول الأول عن ذلك التنفيذ، وعلى أساس نجاحه أو عدم نجاحه ستتجدد المصداقية فيه أو تسلب، كما أن من نافلة القول الحديث عن قوة وصدق إرادة رئيس الجمهورية في تنفيذ ذلك البرنامج كما هو واضح من خلال سياسته العامة وخطابه التكليفي للوزير الأول بهذا الخصوص، وإنما علمتنا تجاربنا الماضية منذ مشروع النظام البرلماني التعددي للدولة الموريتانية وهي بعد في المهد عام 1958 الذي انقلب بقدرة قادر إلى نظام رئاسوي - وليس فقط رئاسي – وما تبع ذلك من تكريس محكم للنظام الفردي ذي الحزب الواحد (حزب الشعب)، وفشل إصلاحات انقلاب 1978، وانتكاسة المحاولة الثانية لمشروع النظام البرلماني مع مطلع الثمانينات، وتمييع ديمقراطية دستور 1991، واحتواء الإصلاحات الدستورية الجوهرية والمنتديات العامة للديمقراطية فترة المرحوم اعلى ولد محمد فال، والانقلاب المباشر على محاولة تصحيح إعادة التأسيس المؤسسي التي قادها بكل شجاعة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدنى منتخب انتخابا شرعيا مشهودا بصدقيته محليا ودوليا، ثم ما تبع ذلك من هالة إعلامية  مهولة إبان عشرية (رئيس الفقراء) ومزاعم محاربة الفساد والمشاريع (الوهمية) العملاقة  التي لا يتجاوز إنجازها الحناجر الجهورية، علمتنا كل تلك التجارب أن عملية الإصلاح الحقيقي الشامل عندنا تتطلب أكثر بكثير من مجرد الخطابة والتنظير، وأن العقبات أمامها كأداء كالجبال الراسيات، الفعل فيها يتطلب حربا ضروسا لا تبقى ولا تذر، والقائد فيها لا يلين ولا يستكين ولا يهادن، والإنجاز فيها هو المعيار، فهل لوزيرنا الأول الحالي كل تلك الآليات الضرورية لتحقيق تلك الأهداف في مثل ظروفنا الحالية؟

 

الوقت وحده كفيل بالإجابة على ذلك السؤال المركزي، والعلم عند الله، ويبقى الانتظار سيد الموقف.