على مدار الساعة

المعارضة والحكومة ولعبة الديمقراطية

14 يوليو, 2019 - 18:48
محمد يحيى ولد باب أحمد

عجبا لأمر بعض أقطابنا السياسيين، ومحلليهم: يريدون الديمقراطية ونقيضها في نفس الوقت، فمن المعلوم أن للديمقراطية أركان لا تستقيم دونها:

أولها التعددية: وهي حرية تكوين الأحزاب، وحق الاختلاف في الرأي، وحرية التعبير طبقا لمقتضيات القانون.

وكذلك التناوب السلمى على السلطة، الذى يقوم على أساس أغلبية تحكم ومعارضة تنتقد وتراقب أخطاء الحكام توخيا للمصلحة العامة.

 

ويقوم هذا التناوب على السلطة على أساس أن صناديق الاقتراع هي الحكم الوحيد في تقرير من يحكم، ومن يضطلع بدور المعارضة، في انتظار فرصة أخرى للوصول للسلطة، طبقا لإرادة الشعب، ورغبته، وسلطته التقديرية.

 

غير أن بعضا من سياسيينا المعارضين يطالب الآن بالاشتراك في الحكومة المقبلة، التي ستنبثق قريبا عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، معتمدا في ذلك المطلب على أساس دقة ومحدودية الفارق بين النتائج المتحصل عليها في تلك الانتخابات التي أحرزت فيها الأغلبية نسبة 52% مقابل 48% للمعارضة.

 

وهذا لعمرى مطلب طريف، يبرز بوضوح عدم نضج فهمنا لمفهوم وأسس الديمقراطية، ويتطلب بالتالي توضيح النقاط التالية:

أولا: أن من شأن مشاركة المعارضة في الحكومة المقبلة تقويض ديمقراطيتنا المستعادة للتو تقويضا مطلقا، إذ إن المعارضة في مثل هذه الحالة ستكون من الحكومة ولن تنتقد بالتالي أعمال هذه الحكومة التي أصبحت جزءا منها، وبذلك سنصبح أمام حكم فردى يمجد فيه الجميع الحاكم حفاظا على التمتع بامتيازات السلطة، ويصبح الحاكم مطلقا لا يجد من يحاسبه ولا من يبين أخطاءه.

 

ثانيا: إن الأساس المستند عليه ههنا كتبرير لطلب المشاركة في السلطة مخالف لمبدإ الاقتراع بالأغلبية المعتمد عندنا، ولمبدإ النظام الرئاسي، وحتى للمنطق السليم، فنظام الاقتراع بالأغلبية يعطى السلطة، كامل السلطة القانونية لمن حاز على أغلبية الأصوات ولو بفاصلة واحدة، بل وقد يعطى هذه السلطة - في بعض تجلياته - لمن لم يحصل حتى على أغلبية أصوات الناخبين الصغار، كما وقع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التي فازت فيها هيلارى كلنتون بأغلبية أصوات المواطنين العاديين، بينما أصبح دونالد اترامب، الذي حصل على عدد أقل من أصوات الناخبين العاديين هو الرئيس، لأنه حصل على أغلبية الناخبين الكبار.

 

كما أن النظام الرئاسي لا يمكن أن تمارس فيه السلطة جماعيا (خلافا للنظام المجلسي في اسويسرا مثلا) ولا يمكن فيه تبعا لذلك، التشارك في السلطة في نفس الوقت.

 

ثالثا: إن القول بأن ما حصل عليه الرئيس غزواني، وما حصل عليه المرشحون الآخرون متقارب فيه مغالطة كبيرة، فولد الغزواني حصل بمفرده على 52% بينما حصل أقرب منافس له على 18%، وهو بون شاسع يفوق الضعف بكثير، ويناهز الثلثين.

 

فالاعتداد هنا بأصوات بقية المترشحين مجتمعة هو مغالطة لأنه لو أن أيا من هؤلاء كان سيضيف أصواته عمليا للآخرين لما ترشح هو نفسه أصلا، خاصة وأننا نعلم أن المعارضة بذلت جهودا مضنية في سبيل التوافق على مرشح واحد قبل الانتخابات وفشلت في ذلك.

 

ما ينبغي للمعارضة أن تطالب به الآن ويجب علينا جميعا - معارضة وموالاة - أن ندعمها من أجل أن يتحقق هو توفير الضمانات التي من شانها ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وحق الجميع في المساواة أمام القانون، والتكافئ في الفرص، وضمان حياد المؤسسة العسكرية والإدارة، والقضاء، وجميع المؤسسات التي من شان حيادها واستقلالها تدعيم التعددية والممارسة السياسية السليمة كاللجنة المستقلة للانتخابات، والمجلس الدستوري، وغيرهما من المؤسسات ذات الصلة بالمسار الانتخابي بصفة عامة، حتى يتم تحصين ديمقراطيتنا المستعادة مؤخرا، ونضمن عدم اختطافها من جديد، وهذا ما يجب أن يكون محور وجوهر الحوارات المرتقبة.