على مدار الساعة

تحقيقات من كتب وأخبار الإمام المازري وخاصة شرح التلقين

4 فبراير, 2019 - 20:16
الدكتور عبد الرحمن حمدي بن ابن عمر

الحلقة الأولى: في ترجمة الإمام المازري

لكون الإمام المازري"من أذكى المغاربة قريحة" فضلا عن كونه من أساطين المذهب المالكي وسدنة الأصول وممن اعتد عليهم خليل بن إسحاق في مختصره، كما سجله السبكي، كان علينا معاشر المغاربة بمفهومها الشامل حمل كبير في الاعتناء بتراث هذا العلم، وذلك ما أردت تقييده اليوم في تحقيقات ونقول لم أر من نبه إليها من الرسائل المختصة بهذا العلم من خلال هذه العجالة بحول الله، وجل هذه المباحث منشور متفرقا في بحثي الذي أعددته للدكتوراه ونوقش أوائل سنة: 2016 م.

 

وقبل ذلك فيما هو تعميق لي من بحثي في الماستر، وقد صدر كل ذلك حديثا "الاختلافات الأصولية النقلية وأثرها في الفروع عند المالكية".

 

من دواعي هذا الاختيار غفلة بعض المعاصرين في التعامل مع طرف من آرائه ونسبتها إلى غيره، وربما وقع العكس مما سنعرج على بعض أمثلته لاحقا بحول الله. وقد يكون لهم العذر لكون بعض أهم كتب المازري تأخر طبعها الذي هو سبب تداولها.

 

وقد كان لي اهتمام قديم بشرح التلقين للإمام المازري، فقد كان الاختيار الأول لثاني بحوثي الجامعية، فيما يعرف بالماستر استخراج القواعد الفقهية من شرحه للتلقين، إذ اقتنيت  سنة 2009 م طبعته الأولى ذات الأجزاء الثمانية من الدار البيضاء،  كما يعلم ذلك من كان معي من الطلبة في المحمدية بالمغرب بجامعة الحسن الثاني.

 

وقد قلت إذ ذاك بهذه المناسبة العظيمة

المازني صاحب "التلقين" *** والمازري شارح "التلقين"

في أول الوسمين قد ترافقا *** وفي صدى التلقين إذ وافقا

الأول في النحو سمى وفاقا *** والثاني أيضا ملأ الآفاقا

في فني الفقه مع الأصول *** وكان في ذا ظاهر الوصول

 

وقد أوردت هذه الأبيات في بحثي المطبوع حديثا "الاختلافات الأصولية النقلية وأثرها في الفروع عند المالكية" ط مطبعة المنار نواكشوط موريتانيا 1439 هجريه ص: 83.

 

وقد ذكر العلامة الهلالي في نور البصر في سياق كلامهم عن من اعتمد عليهم خليل في مختصره، ولماذا اعتمد عليهم بعد نقله عن ابن غاز سبب ذلك مختصرا أنه: "خصهم لكثرة تصرفهم في الاختيار كثرة لم توجد لغيرهم..." نور البصر، ط مركز نجيبويه، 1434 هــ ص: 248.

 

ثم قال: "وخص المازري بالقول لأنه لما قويت ملكته في المعقول والمنقول وبرز على غيره من الفحول صار القول هو ما قال حسبما أشار إليه من أجاد في المقال:

 

"إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام.."

 

راجع المصدر نفسه الصفحة: 249.

 

وأصل هذا الكلام في شفاء الغليل لابن غاز كما نبه عليه محقق نور البصر.

 

والأدلة كثيرة على ذكاء الإمام المازري منها شرحه للتلقين الذي سنتكلم عليه لاحقا بحول الله وفيه يصدق

(كتاب مذهب لا كتاب شرح) كما شهد  به عبد العزيز بن بزيزة في سياق قوله عن التلقين للقاضي عبد الوهاب، وقد شرحه أبو عبد الله المازري شرحا في غاية الإتقان محيطا بكليات مسائل المذهب منفسح الأغراض فهو في الحقيقة كتاب مذهب لا كتاب شرح...) روضة المستبين مطبوع ج: 1، ص: 146.

 

فهذا الشرح جدير عند المالكية بما قاله ابن السبكي في شرح البرهان من أنه على ذكاء قريحة مؤلفه أقوى دليل وبرهان.